بتشجيع الآباء الحلم المنال
article comment count is: 2

بتشجيع الآباء.. لم يعد الحلم بعيد المنال!

في بداية الأمر كان الحلم بعيد المنال بالنسبة لسمية وصديقاتها في إحدى قرى مديرية الصلو، الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة تعز، حيث تجتمع مجموعة من الفتيات اللواتي يشتركن في رغبة واحدة، وهي مواصلة تعليمهن الجامعي في مدينة تعز، حيث كانت الدراسة في المدينة أمرًا غير مألوف في قريتهن، ومع ذلك تغيرت الأمور عندما بدأت بعض العائلات في القرية السماح لبناتهم السفر بشكل جماعي للدراسة في المدينة.

تقول سمية جميل: “في البداية، كنا نشعر بأن الحلم بعيد المنال، لكن عندما رأينا بعض الفتيات اللواتي يعدن من المدينة بعد الدراسة، تشجعنا للسفر، بدعم وترتيب من الأسرة”.

بمباركة وتشجيع من آبائهن بدأت الفتيات في التخطيط للسفر والدراسة في المدينة في العام 2019، وانتقلن إلى المدينة مع مجموعة من الفتيات الأخريات، وفي العام 2021، انضمت جيهان محمد ونسيبة محمد وأخريات إليهن في نفس السكن. تقول نسيبة محمد لمنصتي 30: “نحن ممتنات لدعم وتشجيع آبائنا ووقوفهم إلى جانبنا من أجل تحقيق طموحنا”.

جهود مشتركة من الآباء

عندما قررت الفتيات مواصلة تعليمهن وقف الآباء في القرية بوجه الأعراف التقليدية السلبية، التي تمنع الفتيات من مواصلة تعليمهن، وعملوا على تذليل كل الصعاب والعقبات أمام بناتهم، حتى يتمكن من إكمال مسيرتهن التعليمية، في حديثهن عن تلك المرحلة، أكدن أن السفر إلى المدينة كان يتطلب تخطيطًا مسبقًا من الآباء في القرية، حيث قامت العائلات بالتنسيق مع بعضها البعض لسفر الفتيات كمجموعة مع واحد من الآباء في القرية ليعمل على البحث عن مكان مناسب ولائق لهن وتجهيز السكن.

اليوم تعيش كلاً من سمية ونسيبة وجيهان اللاتي لا تتجاوز أعمارهن 23 عاماً جميعًا في غرفة واحدة مع صديقة أخرى من نفس القرية، تلك الغرفة لا تكاد تتسع لشخصين، ولكنهن يحاولن تقاسم كل شيء بينهن ويتشاركن الدراسة في الجامعة  لتحقيق حلمهن بأن يصبحن مساعدات أطباء.

التغيير يبدأ بخطوة

العمل على تغيير نظرة المجتمع السلبية تجاه حقوق النساء، وحصولهن على الفرص أمر يستدعي إيمان حقيقي بحقوق النساء والبدء بالتغيير من الأسرة، ثم المجتمع المحيط والقريب من الأسرة، وهو ما فعله الآباء في مساندة بناتهم عندما آمنوا بحق بناتهم بالالتحاق بالجامعة، وبحسب الدكتورة راضية سلم -أستاذة مشاركة في قسم علم الاجتماع بكلية الآدب بجامعة عدن- فإنه إذا قررت الأسرة نتيجة للوعي ووجود رغبة قوية لدى الفتاة وتوفر الدعم المادي والمعنوي لاستكمال دراستها فإن أكبر حافز يدفع الأسرة هو رغبة الفتاة وإصرارها، وينعكس هذا الأمر إيجابًا على المجتمع وعندما يزداد الوعي وتستمر الأسرة في دعم تعليم الفتيات يتم قبول ذلك بشكل أكبر ويصبح الأمر أكثر اعتيادية”.

التحديات

كانت البداية صعبة للغاية بالنسبة للفتيات، حيث شعرن بالخوف والغربة في مكان جديد بعيد عن قريتهن، لكنهن تمكنّ من تجاوز هذا الخوف بدعم بعضهن البعض، وبتشجيع الآباء، تحدثن: “تحصل كل واحدة منا على مبلغ 20 ألف ريال في الشهر وهو المبلغ الذي تستطيع أسرنا توفيره لنا، ونحاول أن نتدبر أمرنا مع بعض بتقاسم الإيجار والمعيشة وحتى الكتب الدراسية”.

هناك العديد من التحديات والصعوبات التي تواجه الفتيات والعائلات في الريف عند اتخاذ قرارات، بعض هذه التحديات تشمل النقل والإقامة، حيث قد يكون من الصعب على الفتيات العيش بعيدًا عن أسرهن والتأقلم مع بيئة جديدة كما قد يواجهن صعوبات مالية في تغطية تكاليف التعليم والمعيشة في المدينة، ولكن كون الأهالي “الآباء” في القرى يقومون بتوفير سكن واحد لبناتهم، ويتعاونون في توفير الاحتياجات التي تحتاجها الفتيات فذلك يخفف الكثير من المعاناة.

بهذا الخصوص تقول الدكتورة راضية يسلم: “هناك تحديات عديدة تواجه التعليم بشكل عام، وبعضها يؤثر بشكل خاص على الفتيات، واحدة من هذه التحديات هي بُعد المؤسسات التعليمية عن مناطق إقامة الفتيات، مما يضطرهن إلى التنقل من مكان لآخر للحصول على التعليم، تعتبر العادات والتقاليد المجتمعية أيضًا تحديًا”.

تضيف يسلم: “قد يكون عدم قبول المجتمع لسفر الفتيات والابتعاد عن أهاليهن تحديًا آخر، كما تلعب الجوانب الاقتصادية أيضًا دورًا هامًا في تحديات التعليم، حيث يمكن أن تكون عوامل مثل الفقر وعدم توفر الموارد المالية عوائق أمام تحقيق تعليم جيد للفتيات”.

التوعية للإيجابية

لم تكن هذه التجربة الوحيدة، ففي سنوات سابقة ببعض أرياف مدينة تعز قام العديد من الآباء بالسماح لبناتهم للسفر إلى المدينة لإكمال تعليمهن، وفي حديثها لمنصتي 30 أشارت الدكتورة راضية أن “دور الآباء الإيجابي في مساعدة بناتهم لمواصلة التعليم خارج القرية كان أكثر قبل فترة الحرب، وربما قد تراجع لعدة عوامل، حيث يشعر الناس بالخوف والقلق تجاه المخاطر المحتملة التي قد تواجه الفتاة، وعلى الرغم من وجود وعي لدى الأسرة إلا أنهم يفكرون كيف يمكن السماح لبناتهم للسفر في ظل هذه المخاطر ومع ذلك، عندما يتوفر نوع من الأمان والاستقرار، يمكن لهذه العملية أن تستمر تلقائيًا، مؤكدة على الحاجة الماسة لتوفير الأمان، وزيادة الوعي، وتشجيع ودعم مثل هذه القضايا على الرغم من التحديات التي يواجهها المجتمع اليمني بسبب الهشاشة والحروب، فإن الناس يجدون طرقًا محددة للتعامل مع هذه القضايا وتحقيق طموحاتهم”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (2)