توعية المجتمع المحلي وتثقيفه صحيًا وبيئيًا جزءٌ لا يتجزأ من العمل المجتمعي ومساهمة المرأة اليمنية في رفع نسبة الوعي لدى مختلف الفئات، تقول سعاد محمد الشامي، التي لم تتوقف منذ نصف عقد عن التطوع في توعية الأطفال والشباب وكبار السن بمخاطر الأوبئة، التي انتشرت بشكل واسع خلال فترة الحرب، بل حولت شغفها إلى شعلة أمل تجوب شوارع تعز، وبقدرة فريدة تمكنت من كسب ثقة الناس، لتصبح رمزًا للصمود والتطوع، وتحمل في جعبتها رسالة صحية سامية وتعمل بلا كلل على نشر الوعي بين المواطنين.
بنشاط وحيوية، تبدو هذه المرأة، سعيدةً بدورها في العمل التثقيفي بوصفِها متطوعة تقدم خدمة مجتمعية، في ظل التحديات الصعبة التي فرضتها سنوات الحرب على تعز، والتبعات التي لحقت بالمؤسسات الحكومية والجهات العاملة في القطاع الصحي، الأمر الذي دفعها للقيام بدور المرشدة داخل حي حوض الأشرف، الذي تسكنه، وبعض الأحياء القريبة لمدرسة الشعب وحارة الكوثر، في مدينة تعز جنوب غرب اليمن، من أجل توجيه الساكنين في هذه الأحياء حول كيفية التعامل مع الأمراض الشائعة، والالتزام بالمحاذير وطرق الوقاية تجنبًا للإصابة.
هكذا قررت سعاد الشامي التصدي للواقع بكل شجاعة وتفاني، وانطلقت لتجوب شوارع مدينة تعز، لتعزيز الوعي الصحي داخل مجتمعها المحلي، إدراكًا منها بدور الفرد في مواجهة التحديات، حيث لعبت دورًا حيويًا في مجال التطوع متسلحة بالإصرار والعزيمة؛ رغم استمرار الصراع وظروف الحرب في المحافظة، التي باتت ميدانًا لجهود نسائية هدفها مواجهة الأوبئة والأمراض وتقليص حجم الأضرار البشرية والخسائر المادية.
تقول سعاد لمنصتي 30: “منذ خمسة أعوام، أعمل متطوعة في مجال التوعية الصحية بمدينة تعز.. الهدف الرئيسي توعية الناس بالسلوك الصحي وتعريفهم بالسلوكيات الخاطئة وتجنبها، عملت على تنظيم حملات توعوية حول الأمراض المنتشرة والأوبئة مثل الكوليرا، حمى الضنك، والملاريا، ونركز على الأمراض الموسمية، التي تأتي أوقات الأمطار حيث تزداد احتمالية انتشارها بسبب تلوث البيئة وقلة النظافة”.
مميزات
استطاعت سعاد الشامي، أن تتحول إلى منبر للإرشاد والتوجيه، وسخرت نفسها للتطوع في توعية وتثقيف المواطنين، فمنذُ سنوات خمس برزت كشخصية استثنائية عكست قوة المرأة، وقدرتها على تحمل المسؤولية ومشاركة الرجل في أدوار مجتمعية مهمة؛ لتصبح مرجعًا للاستشارة في المنطقة، تلامس واقع حياة المدنيين وتُسلحهم بالوعي للتغلب على الأوبئة المنتشرة.
هدوءٌ وحكمة، وقدرةٌ على الإقناع، ويدٌ ممدودةٌ على الدوام لتقديم المساعدة.. جميعها عواملٌ أهّلت هذه المرأة للعمل التطوعي، ففي مشهدٍ يجسدُ التفاني، تتوسطُ سعاد الشامي العديد من المواطنين في حي حوض الأشراف، تُناقشُ قضاياهم ومشكلاتهم الصحية، وتبحثُ عن معاناتِهم وتسعى جاهدةً لتقديم النصائح، والإرشادات اللازمة التي تقيهم من الإصابة بالأمراض، حيث تُجسد هذه المبادرات الروح الإيجابية لدى المتطوعات.
تتحدث الشامي لمنصتي 30، “تتركز الجهود على تقديم حملات ميدانية بهدف توعية الأطفال والكبار على حد سواء.. نفذت نزولات في الأحياء وشاركت في حملات التوعية ضد شلل الأطفال لتثقيف الناس بضرورة أخذ جرعة اللقاح وتوضيح مخاطر وتبعات هذا المرض.. نشرح مسببات وطرق الوقاية من وباء الكوليرا والحميات الفيروسية مثل حمى الضنك، وكذلك الملاريا، وغيرها من الأمراض بشكل عام”.
وتؤكد الشامي أن أهمية هذه الحملات التوعوية للمجتمع والإنسان، تعود إلى تدهور الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أبناء تعز خاصة واليمنيون عامة، حيث تُسهم قلة النظافة وتدهور البنية التحتية في انتشار الأمراض الموسمية، ويزداد تفشي الأوبئة في المناطق والمدن التي تعيش حالة حرب وصراع مستمر.
قدرة الإقناع
حول التحديات التي تواجه سعاد أثناء العمل في الميدان، تتمثل في إقناع الناس بأهمية التلقيح واتباع السلوكيات الصحية السليمة، وبحسب حديثها فإن العديد من النساء المتطوعات يحاولن عبر هذه الحملات مكافحة الأمراض أو على الأقل الحد من انتشارها، ففي السنوات الأخيرة انتشرت الكوليرا بشكل كبير في تعز.
وخلال فترة الحرب تغيرت مفاهيم الناس، وصاروا يخافوا من اللقاحات ويشعرون أنها غير آمنة بسبب أفكار ومفاهيم خاطئة، لذلك قد يتطلب التعامل مع هذه الفئات حسب وعي المستهدفين، وتفنيد الصورة المغلوطة واقناعهم بتناول العلاجات والأدوية، ومحاولة الوصول لفكر ومستوى تعليم الشخص المتلقي، وكسب احترامه وثقته، فالقائم بالتوعية يفضل أن يكون متمكنًا ويتمتع بكاريزما ويحظى بقبول لدى الناس، ويُجيد طريقة ايصال المعلومة الصحيحة بطريقة سهلة.
وتضيف: “يشترط في المتطوع أن يكون من الحي ذاته الذي يعيش فيه، ويتصف أنه أهلًا للثقة، ويعرف الساكنين في المنطقة ويعرفونه، وقريب من الناس الذين يتعامل معهم.. قد تجد ناس يحاربوك، لكن لا تلتفت لهذه الترهات، وركز على مدى تقبل الآخرين”.
أدوار مهمة
العديد من النساء في تعز، لعبن دورًا توعويًا كبيرًا بأهمية تعاطي اللقاحات والتوعية من مخاطر وباء كورونا وغيرها من الأوبئة؛ فيما تعاني المتطوعات في أحيان كثيرة من رفض بعض المواطنين تقبل الفكرة، إذ يزعمون أن هذه اللقاحات تأتي من دول أجنبية ولا يثقون بها، لكنهن لم ييأسن، بل تحاول التواصل مع الناس بأسلوب ملائم لمعتقداتهم ومستوى تعليمهم وتفكيرهم.
ورغم التحديات التي تواجه النساء، إلا أن سعاد الشامي تشعر بالرضا عن عملها وتفيد بأن العمل الميداني يعتمد على كيفية التواصل مع الناس بأسلوب حسن وأخلاق عالية، وكسب احترام وثقة الآخرين من خلال تقديم المعلومات الصحيحة والدلائل؛ مؤكدة أن العمل التطوعي ليس مجرد تقديم خدمات، بل هو بناء علاقات وثقة بين المجتمع والمتطوعين.
هذه المتطوعة تولي اهتمامًا خاصًا بالأطفال، حيث ترى فيهم أمل المستقبل، وعن تجربتها مع هذه الفئة، تقول: “الأطفال هم جزء كبير من المجتمع.. أحاول توعيتهم بأهمية النظافة والأكل الصحي، وأشعر بمدى تأثيري الإيجابي عليهم.. لقد أثرت على الكثير من هؤلاء الصغار، وكانوا دائمًا يتذكرونني ويأتون إليّ ليتحدثوا عن ما تعلموه.. هذا يجعلني أشعر بالفخر والرضا”.
وتعتقد أن التوعية والتعليم هما السبيل الوحيد لبناء مجتمع صحي ومستقبل أفضل، وتخطي الصعوبات وتجاوز الظروف الصعبة، من خلال حملات التثقيف وما تقدمه نساء المدينة من معلومات ونصائح للناس؛ كما تؤمن بالقدرة على خلق واقع جديد، وتحسين الوضع الصحي في تعز، وتأمل أن يكون الجيل الصاعد أكثر وعيًا وصحة.
أثر ملموس
وفي هذا السياق، يقول نائب مدير التثقيف الصحي بتعز، تيسير السامعي، لـ “منصتي30”: “كان للنساء أثر كبير في الأعمال الطوعية، خاصة في مكافحة الأوبئة، حيث عملن على توعية الناس والحشد المجتمعي، وكذلك على عملية تغيير السلوك.. تستطيع القول أننا اعتمدنا بنسبة كبيرة في عملنا من خلال التثقيف الصحي بتعز على المتطوعات النساء، كونهن لديهن القدرة على التخاطب مع أكبر شريحة بالمجتمع والدخول إلى المنازل والبيوت وعمل التوعية وجلسات التثقيف الصحي، باعتبارهن أكثر تأثيرًا في هذا الجانب”.
ويشير السامعي، إلى أن هناك مبادرات نسائية طوعية من قبل نساء وفتيات، برزت خلال سنوات الحرب الماضية داخل مدينة تعز، في عملية التوعية والتثقيف وتقديم الخدمات للمرضى في مكافحة الأوبئة سواء الكوليرا وحمى الضنك، أو الملاريا أو أمراض أخرى، وما زالت مستمرة حتى اليوم، إضافة إلى أن هناك نماذج رائعة ومميزة ظهرت لمتطوعات وعاملات في المجال الصحي، كان لهن أثر كبير في التوعية ومكافحة الأوبئة وفي مجال التغذية والصحة الانجابية وغيرها من المجالات.
هؤلاء هن الجندي المجهول في ظل الأزمات والحروب والأوبئة نسأل الله لهن التوفيق والقبول
الله يجزيك خير
قوت القوه