أطفال يمنيون أمام بائع متجول في تعز / أرشيفية. AP
article comment count is: 0

أين السعادة من اليمنيين؟

عندما كنت في سن الثانية عشرة من العمر، لم أكن مدركاً لمعاني السعادة، ولا أهتم لأمور أكبر من سني، كانت الحياة بالنسبة لي، محصورة في القرية، المدرسة، رعي الأغنام، واللعب مع أقراني في القرية، لا أعرف شيئاً عن المستقبل، الطموح، بل كان العالم بالنسبة لي هو تلك القرية، ولا أعلم أن هناك بشر غير أهل القرية موجودون على ظهر هذا الكوكب.

اليوم، وبعد مرور خمسة عشر عاماً على طفولتي البريئة تلك، تغيرت نظرتي للحياة، وتوسعت مداركي، بعد أن أكملت تعليمي الجامعي، وهجرت القرية، بحثاً عن مسمى السعادة الذي آمنت به بعد سن العشرين، محطات كثيرة من عمري، عايشت فيها مواقف متفرقة، بين منغصات حياة، وخيبة أمل، وتبخر حلم، وفقد عزيز لا يعوض، نادرة هي اللحظات، التي زارني فيها الفرح، كشاب يمني في ريعان الشباب، ومع ذلك لم أيأس من بلوغ عالم السعادة.

في بلادي اليمن، تطغى مشاعر الحزن  على الفرح، وتحصره في حيز زمني صغير، فحضور الفرح مرهون بمناسبات لحظية عابرة، مقارنة بالحزن الذي يجثم على مساحة شاسعة من الوقت، والجغرافيا اليمنية، وقد أصبح الحزن معتاداً في يومياتنا كيمنيين، جراء تراكم جرعات الوجع في الذات اليمنية، سواء الصغار، أو الكبار، الرجال، أو النساء، كلهم تشربوا الوجع، ومارسوه طوعاً، وكرهاً.

وعندما أتحدث عن اليمنيين، فأنا أتحدث عن قوم، التهمت الحرب منهم خلقاً كثيراً، أتحدث عن أمة، اختارت الصراع، كوسيلة جلب لسعادة بعضها، على حساب بعضها الآخر، أتحدث عن مجتمع، عاطفي تغره خطب الساسة المتاجرين بالدماء، فيلقون أنفسهم إلى التهلكة، في سبيل بقاء أولئك الساسة.

إن الصراع الدائر في اليمن، كان المتسبب الأبرز، في نضوب السعادة، من أرواح اليمنيين، وأفئدتهم، إذ تمكنت ثقافة الحرب، من هدم مقومات السعادة (مشاعر الحب، والتراحم، التآزر المجتمعي، وإجلال الآخر، واحترام حقوقه، وآرائه)، وأذكت مشاعر الحقد، والكراهية، والانتقام، وقمع الآخر، كمقومات بديلة لمقومات السعادة.

لقد أثبتت الدراسات، والبحوثات، التي أجريت في علم السعادة، أن السعادة بمفهومها العام (درجة رضا الفرد عن نفسه، وحياته)، لا تأتي بالمال ،أو السيطرة، وأن مشاعر الحقد، والكراهية، لا يمكن أن تسهم في خلق السعادة إطلاقاً، بل تحول بين المرء، والسعادة، لكن الحب، والسلام، والتعايش، تعد من مقومات السعادة الحقة.

حقاً، لقد تاه اليمنيون عن السعادة، وهي الأخرى هجرتهم بتعمد، ذلك أنهم آمنوا بلغة العداء، وانخرطوا في وحل الكراهية لبعضهم البعض، ظناً منهم أن البطش، والجبروت، سيصنع لهم السعادة ذات يوم، لكن الواقع، أثبت عكس تلك النظرة، بالحجة، والمنطق السليم، وعليه فإننا كيمنيون، لن نفلح في جلب السعادة، قبل أن نقضي على الحقد، والضغينة من بيننا، ونسلك طرق الحب، والسلام مع بعضنا البعض، في كل أنشطتنا، السياسية، والدينية، والاجتماعية، كما فعل الأوروبيون، والغرب، الذين استفادوا من تجارب الماضي، وأسسوا لسعادة جوهرية، في مجتمعاتهم النابضة بالحياة.

شخصياً أتمنى أن تعود بي السنين إلى الوراء، لأتذوق سعادة الصبي الذي كنته، ذاك الصبي، الذي أسس مملكته بين جبال القرية، ومراعي الغنم، والمدرسة الريفية الصغيرة، فقد أتعبني الشاب الذي أصبحته، ويئست من بلوغ السعادة التي يرجوها، وسط مجتمع تشرب الكراهية، والحروب حد الإدمان.

 

* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً