ناجي من مذبحة بيت المسنين عدن ANP
article comment count is: 0

قشة النجاة الأخيرة..

مرّوا بدمٍ باردٍ على أجساد المسنين ودمائهم، كبروا بصوت مليء بالقبح والقسوة، ومرّوا.

بهذه الصورة والواقع أكبر، فجع العالم قبل أيام بخبر اقتحام مجموعة من المجاهدين لدار رعاية المسنين في مدينة عدن (عاصمة اليمن المؤقتة)، قرباناً لله أعدَمَت هذه المجموعة معظم من في الدار من مسنين وعاملين .

قتلة مدججون بالأسلحة والنصوص ”كالعادة“، نصوص استباحت الدم بعد تكفير كل مخالف لها، وهم بالإنسانية كافرون، وبردّ الجميل لمن انتهى شبابهن في رعاية مسنينا.

لا زلت أتذكر منذ سنوات زيارتنا لدار المسنين في اليمن، كم كانت قاسية تلك التجربة، عند المقارنة بين من يخدمن مسنّينا برحمة، وبين من يتهمهن بالتبشير فقط لأنهن مسيحيات، سمعتها كثيراً ممن يعافون العمل في هذا المجال، من يملكون في كتبهم مئات النصوص التي تحثهم على إكرام الكبير، وبرّ الوالدين، لكن نصوص القتل والتكفير صداها أكبر في مجتمعات الجهل والتقديس.

حادثة مرّت، وأخاف أن نعتاد عليها، في ظل الكثير من الأحداث من شبيهاتها، جرائم كهذه تعاني منها اليمن كبعض بلدان المسلمين بأيدي المسلمين، وستبقى ما دامت فينا جماعات تكره الجميع وتكفرهم، إلا من تلون بلونها، ما دامت كتبنا تنقل أفكار التكفير والدفاع عن الدين والحاكمية.

هذه الجرائم وراءها (عشاق الحور) الذين يتم استخدامهم دائما في الحروب، وراءها جماعات بعد أن تنهي حروبها تتفرغ لمجتمعها، جماعات تملكت أحقية الحكم والتنفيذ في نفس الوقت، وأرخص ما في نظرهم الدم.

هو الضعف يحكمنا لا أكثر…

أكثر ما صدم الشعب اليمني، هو حكومته الشرعية المحاطة بالدعم الخارجي، السلطة التي تباهت بتحرير عدن وما حولها من الحوثيين، فانكشف هزلها وضعفها بعدد من الأعمال الإرهابية التي وصل البعض منها لعمق دار الحكومة، والأحداث تتكرر مع سلبية الحكومة التي تنمو إلى الحد الذي توقفت فيه حتى عن الإدانة والاستنكار.

أسوأ المواقف هو ما يعيشه اليمني الآن، فهو مخير بين الضعف والتجبّر والإرهاب، شمال محكوم بسلطة القوة والسلاح والأمر الواقع، وجنوب محكوم بالضعف، وكلاهما يهدد بالفوضى إن رحل، والإرهاب يبتسم بخبث منتظراً أي فرصة لينقض على شعب منهك، ليقيم فيه حلم الخلافة المرعب بأفكار معتنقيه وممارساتهم .

أؤمن بأن أصعب الخيارات ما نحن فيه، فنحن لا نختار بين الصواب أو الخطأ، الخير أو الشر، نحن مضطرون للاختيار بين أهون الشرّين وأخف الضررينّ، بين من يقتلنا بالحرق والذبح والحصار، ومن يقتلنا بالصمت والسلبية والغباء لكن ببطء، وهنا تكمن سخرية الواقع على اليمني ومرارته.

ويبقى الواقع أن الضعف للأسف حاكمنا، نفرّ إليه من حكم الموت والقهر، فالضعف أمامنا الآن قشة النجاة الأخيرة، وما أقبحها من قشة لا نملك سواها .

 

  • مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً