دراجات هوائية في صنعاء ANP
article comment count is: 0

الحرب من زاوية أخرى!

للحرب في اليمن وجه آخر أيضاً، تماماً كما يمتلك هذا البلد أوجها أخرى للكثير من الأشياء. فعلى الرغم من كوارث الحرب التي تطال اليمنيين، دائماً ما يجد الإنسان اليمني طريقة للتغلب عليها وطريقاً للعيش والمقاومة.
 
منذ أن بدأت الحرب في اليمن في بداية 2015، والأوضاع الإنسانية والمعيشية في البلد تجري من سيء إلى أسوأ. فبالإضافة إلى القتل والدمار الذي يحدث كل يوم، يعاني اليمنيون من انقطاع تام للتيار الكهربائي، وانعدام للمشتقات النفطية وأزمة للغذاء والماء والدواء. ولكن الحياة لا تنتهي عند هذه الصراعات بالنسبة لليمنيين، فكيف يقاوموا هذا الوضع الخانق؟

بدأت الأزمة الحقيقية لمعظم اليمنيين مع التيار الكهربائي منذ أن بدأ بالانقطاع لساعات متفاوتة يومياً بعد أحداث 2011. كانوا حينها يضيقون ذرعاً لانقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعات معدودة، فما الذي بإمكانهم قوله الآن عند انقطاع التيار الكهربائي بشكل كلي ولفترة أربعة أشهر متتالية؟

عبد أجدادنا اليمنيين الشمس قبل آلاف السنين، وكأنها اليوم ترد الجميل. حيث يتوجه الكثير من اليمنيين اليوم نحو شراء منظومات الطاقة الشمسية في ظل الانقطاع الكلي للكهرباء العمومية بسبب خروج محطة مأرب الغازية (والتي كانت تغذي مناطق شاسعة من البلد بالكهرباء) عن الخدمة منذ نهاية شهر أغسطس من العام 2015. وتشتعل الأسواق اليمنية ببيع مختلف أنظمة الطاقة الشمسية، تتفاوت ما بين الأنظمة الكبيرة التي تنير منازل بأكملها والأنظمة الصغيرة التي تنير مصباحا واحدا فقط. وقد بدأت مؤخراً شوارع المدن بالابتهاج قليلا في الليل بفضل المنازل المنارة بأضواء الطاقة الشمسية، بعد أن كانت شوارع ميتة يغمرها الظلام. ولربما إن استمرت هذه الأزمة لوقت أطول، ستكون هناك فرصة للشعب اليمني ليكون من أوائل الشعوب المستخدمة للطاقة النظيفة.

لم تكتفِ الحرب بدفع اليمنيين نحو التعمق والحديث في جوانب السياسة طيلة الوقت فقط، بل أيضاً دفعتهم نحو التعمق في مجال الطاقة الشمسية، حيث أصبح الصغير والكبير خبراء يتحدثون عن مختلف جوانبها في أماكن العمل، والمواصلات العامة ومجالس القات.

مرت فترة في بداية هذه الحرب عندما انعدمت المشتقات النفطية بشكل شبه كلي، بسببها خلت معظم السيارات والشاحنات ووسائل المواصلات العامة من الشوارع. ووجد الناس أنفسهم عالقين في أماكنهم وغير قادرين على الذهاب إلى أعمالهم أو إلى أي مكان آخر. ولكن ذلك لم يشكل عائقا أمام بعض اليمنيين، حيث انتشرت الدراجات الهوائية في الشوارع بدلاً عن وسائل النقل الأخرى. حتى أن بعض النساء وجدن أنفسهن في مقدمة راكبي الدراجات الهوائية، وهو سيناريو غير اعتيادي في اليمن.

يخلق اليمنيون الحياة في وسط الموت. فعلى الرغم من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها خلال الحرب، إلا أنهم لا ينسون اللقاء في مجالس القات للحديث، وأن يحتفلوا، وأن يحافظوا على نمط حياتهم القديم بقدر المستطاع. خلافاً للمتوقع، يحرص الكثير من اليمنيين على الاحتفال بأعراسهم بغض النظر عن الصراعات القائمة في البلد. فمواكب الأعراس تمر بشكل شبه يومي في الشوارع، وموسيقى هذه الاحتفالات تصدح بالحياة، متصدية وغالبة لأهازيج الموت.

يقاوم اليمنيون الصراعات اليوم عبر حس الفكاهة أيضاً، والتي تطورت لديهم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يعتبرها البعض ترويحا للنفس من الضغوطات التي تخلقها الحرب والأوضاع الصعبة المصاحبة لها، ويعتبرها البعض الآخر طريقة سلسة لمناقشة الأوضاع السياسية والاجتماعية وأوضاع البلد ككل.

مهما طالت الحرب ومهما تطورت أساليبها، سيظل اليمنيون يبتكرون أساليب جديدة للمقاومة وللعيش. قد تأخذ هذه الحرب أرواحا كثيرة معها، ولكن ما لا تعلمه هو .أنها ستخلق أرواحا جديدة ومتمردة بداخل كل يمني. أرواح تتشبث بالحياة بإرادة قوية، تفوق قوة الحرب.

 

* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً