يعد حق العمل للمرأة من أهم الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتي تلزم الدول الموقعة عليها باستيعابها ضمن تشريعاتها الوطنية، وفي هذا السياق فإن اليمن من الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات الدولية، ولذلك نصت المادة (6) من دستور الجمهورية اليمنية على أن “تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
وقد استوعب المشرع اليمني حق العمل للمرأة ضمن التشريعات الدستورية والقانونية، حيث تنص العديد من المواد الدستورية على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات كما نصت المادة (31) على أن “النساء شقائق الرجال لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص علية القانون“، وفي هذا السياق يمكن القول إن المواطنين هم جميع أفراد المجتمع (ذكوراً وإناثاً) دون تمييز، ما يعني أنه من الناحية التشريعية فإن جميع الحقوق مكفولة للرجل والمرأة على قدم المساواة، لكن المشكلة تكمن في التطبيق حيث أنه ومقابل الذكورية الإيجابية الداعمة والمساندة لعمل المرأة كحق طبيعي ضمن مصفوفة حقوق الإنسان سواءً كانت هذه الذكورية الإيجابية مجسدة من خلال التشريعات الضامنة لهذا الحق -رغم أن هناك من يعارض ذلك بقوة كتعبير عن نظرة قاصرة للمرأة- أو من خلال الجهود التي تبذلها النخب السياسية والثقافية والأكاديمية، نجد مقابل ذلك أن هناك من يمارس العنف الاجتماعي الموجه ضد عمل المرأة بدعاوي ومبررات تقليدية، ومنها أن عمل المرأة يتعارض مع العادات والتقاليد الاجتماعية، وذلك لتبرير استمرار استعمال السلطة الذكورية الأبوية والقهرية ضد المرأة وحرمانها من حق المشاركة في الحياة العامة.
وتتفاوت مظاهر العنف الاجتماعي الموجه ضد عمل المرأة بين الرفض المطلق وحصرها في مهمة ربة البيت، وهو ما يتعارض مع نص المادة (39) من الدستور بأن العمل حق لكل المواطنين ولا يجوز فرض عمل جبراً على المواطنين.. فلماذا يتم فرض العمل على المرأة كربة بيت فقط ما يعني أيضاً حرمان المرأة من حق التعليم كوسيلة لمنعها من حق العمل، وبين القبول بعمل المرأة لكن في مجالات محددة فقط، أو القبول المشروط بأن تعمل المرأة مقابل أن تدفع راتبها لرب الأسرة أباً أو زوجاً أو أخاً، وهذا يعد نوعاً من الإذلال والقهر الاجتماعي والاستغلال الذي يمارس ضد المرأة، إضافة إلى ما تتعرض له من التحرش والمضايقات وتشويه السمعة لإجبارها على ترك العمل، وأسهل طريقة هي ربط عمل المرأة بقضية الشرف والعار ومهاجمة من يناصرون قضايا المرأة أصحاب (الذكورية الإيجابية) باعتبارها ثقافة دخيلة على المجتمع بسبب الفهم الخاطئ لمفهوم النوع الاجتماعي، وقد يصل العقاب الاجتماعي للمرأة العاملة وخاصة العازبة لدرجة أنها قد لا تحظى بفرصة الزواج، ولا يدرك هؤلاء أن عمل المرأة مهم حتى في ظل المجتمع المحافظ كونه يوفر للمرأة الاكتفاء الذاتي.
وهناك الكثير من مظاهر العنف الاجتماعي الذي يمارس ضد المرأة العاملة لتكبيلها، ومن هنا تكمن أهمية الذكورية الإيجابية كمفهوم إجرائي يقصد به الصفات الإيجابية التي يتحلى بها الرجال تجاه النساء من دعم ومساندة ومناصرة وتمكين وتشجيع، حيث نجد أن هناك العديد من قصص النجاح التي تحققت للمجتمع بفعل الذكورية الإيجابية فقد وصلت العديد من النساء إلى مواقع قيادية عليا في كافة المجالات وأصبحت العديد من الأسر تعتمد على المرأة أكثر من الاعتماد على الرجال في توفير متطلبات الحياة المعيشية الكريمة، وهذا ينعكس إيجاباً على تطور المجتمع واستقراره وتماسكه، ويؤدي إلى تغير الصورة النمطية التقليدية للمرأة وتعزيز ثقتها بذاتها وقدراتها واكتسابها دوراً اجتماعياً لائقاً في المجتمع، وبالتالي تسود علاقات اجتماعية إيجابية تقوم على التفاهم والاحترام والتعاون المتبادل بين الرجل والمرأة بدلاً من علاقات التبعية والهيمنة الذكورية التسلطية.
ويعد التعليم والتنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال من قبل الأسرة من أهم الأساليب التي تعزز الصفات الذكورية الإيجابية في المجتمع، وهنا لابد من الإشارة إلى أن عمل المرأة يمثل قضية مجتمعية هامة كونها ترتبط بعملية التنمية والعدالة الاجتماعية، وقد مثلت هذه القضية تاريخياً محور اهتمام العديد من الفلاسفة والمفكرين والباحثين من منطلق أن الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة التي يتذرع البعض بها لا تمثل عائقاً أمام قيام المرأة بدورها في المجتمع، وبالتالي ضرورة أن يستوعب المجتمع حتمية حدوث تغيير في الأدوار الاجتماعية للمرأة في المجتمع زماناً ومكاناً، فمن غير المنطقي أن يظل الرجل متشبثاً بالسلطة الذكورية الأبوية القهرية لحرمان المرأة من حق العمل، فالمرأة العاملة وكما أثبتت الأحداث التي يمر بها اليمن، استطاعت أن تقوم بدور كبير في مختلف مجالات الاستجابة الإنسانية، كما أن المرأة اليمنية في المجتمعات الريفية تقوم بدور كبير في الحياة المعيشية للأسرة، وهذا يتطلب نشر المزيد من الوعي في أوساط المجتمع بأهمية الذكورية الإيجابية لتطوير المجتمع من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية وخاصة الأسرة والمدرسة، والجامعات، والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والمراكز البحثية والمؤسسات الإعلامية والنسوية، لتفعيل دور المرأة وتمكينها من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة للمجتمع والقضاء على كل أشكال التمييز الذي يُمارس ضد المرأة العاملة.
- أستاذ علم الاجتماع – جامعة تعز.
عمل المرأه يزيد من ثقتها ويزيد من تطور أفكارها بكل النواحي