في مجتمع تحكمه ثقافة العيب وتحرك مشاعره القيل والقال، تتعرض فيه النساء للعنف من أقرب الناس إليها؛ تقول “قام إخوتي بضربي أمام أولادي، واستخدموا الصاعق الكهربائي حتى أغمي عليّ ليومين ثم أخذوني أنا وأولادي وتركوا بيتي مفتوح بما فيه” تقول دنيا (28 عاماً)، والاسم هنا مستعار، مضيفة بحزن: “تخلصت من زوجي ومشاكلي التي لا تنتهي معه وضربه لي لأتلقى ضرب جديد من إخوتي”.
دنيا أم لثلاثة أبناء كانت تقيم في صنعاء، تطلقت أواخر العام الماضي بسبب حدة الصراع بينها وبين زوجها السابق ثم قامت باستئجار بيت لها ولأولادها لتبدأ حياة جديدة، تقول: “والداي متوفيان، وإخوتي لن يستطيعوا إعالتي وأبنائي الثلاثة لظروفهم المادية، فاستأجرت بيت وعملت مندوبة في إحدى الشركات لتغطية مصاريفي”. تتابع دنيا حديثها عن نظرة المجتمع لها وكيف تعاملوا معها تقول: “أصبحت حديث أهل الحارة بأني مطلقة وأعمل حتى وقت متأخر من اليوم، وساكنة بمفردي برفقة أبنائي القصر، لدرجة أن أحد أقاربي اتصل بأخي الأكبر ويعيره قائلاً “تعالوا شلوا مكلفكم جالسة لوحدها ما معاها رجال يضبطوها”. تصمت دنيا لوهلة وتقول دامعةً “طلعوا إخوتي الثلاثة من تعز، دخلوا عليّ البيت بشكل مفاجئ، ثم حصل ما حصل”. وصلت إلى تعز بصحبة عائلتها التي كان من المفترض أن تكون داعمة لها وليشكل بقاء أخيها في المنزل في ظل ظروف جائحة كوفيد 19 عبئاً آخر عليها ليلقي عليها سيلاً من الشتائم والتهم بأنها كانت عار على عائلته، تضيف أنها تعمل الآن في خدمة الأخ وزوجته، وأنها كالمستجير من الرمضاء بالنار. قالتها بوصف آخر.
ما هو أشد من كورونا؟
في ذات السياق تحكي عائشة (22عاماً وأم لابنة)، قصتها بالقول: “لم أكن أعلم ان أبي سيتغير بعد طلاقي ويصبح بمثابة عدو لي”، ظلت عائشة توبخ نفسها طوال حديثها معنا تقول: “لو كنت صبرت على زوجي كان أفضل لي، دائماً أبي يقول لي لو كان فيكِ خير ما تطلقتي، زوجت واحدة ورجعين ثنتين، يقصد ابنتي”، وعبرت بأن حياتها أصبحت أسوأ مما كانت عليه مع زوجها.
دنيا وعائشة حالتان من تسع حالات لنساء مطلقات تعرضن للتنمر اللفظي والجسدي من قبل ذويهن، الأمر الذي جعلهن يتجرعن الأمرين، إما الصبر على أزواجهن مهما كانت الظروف أو الاعتداء اللفظي المستمر من قبل الأهل والمجتمع.
تتفق جميع من قابلتهن معدة التقرير بأن الأهل يعتبرون الطلاق وصمة عار وعيب يدل على عدم قدرة المرأة على تحمل متاعب وتكاليف الحياة، وأوضحن على أن أزمة كوفيد 19 كان لها الأثر السلبي في تنامي حالة التنمر والعنف عليهن وعلى أطفالهن. تقول إحداهن وهي موظفة في شركة خاصة: “أهلي كانوا اشد فتكاُ من كورونا”.
الظاهرة منتشرة
تعلق الدكتورة سماح طلال وهي مرشدة نفسية وأسرية سابقة في مركز الإرشاد الأسري والنفسي بصنعاء، بقولها إن ظاهرة التنمر على المطلقات منتشرة بشكل كبير، ولها أبعاد نفسية قد تستمر لسنوات وقد تنعكس على الأطفال، وأن انتشار هذه الظاهرة قد يكون عائد على أسباب عدة، منها ما هو مرتبط بالعادات والتقاليد، وأخرى مرتبطة بالحالة الاقتصادية لأسرة الفتاة المطلقة.
وأوضحت طلال بأن جائحة كوفيد 19 أثرت ببعدها الاجتماعي والاقتصادي على الجميع، وبدورها ستنعكس أيضاً على النساء المطلقات وذويهم ممن سيشكل لهم البقاء في المنزل فرصة لإلقاء اللوم ولتفريغ الكبت السلبي الناتج عن الجائحة، وأضافت: النساء بحاجة في مثل هذه الأزمات إلى الاستشارة النفسية وإيجاد داعم نفسي مستمر لتجاوز الأمر.
“الخلاص مني”
أثرت جائحة فيروس كورونا المستجد على المجتمع بشكل عام، مما زاد الخناق على النساء وعلى المطلقات خاصةً. تقول عائشة: “والدي متقاعد، كان يخرج الأيام العادية ليقضي وقته في الحارة والقهاوي، ولكن عندما جاء كورونا ظل في البيت بشكل شبه متواصل فكان دائماً ما يعايرني ويتضايق من ابنتي ويريدني أن أعيدها لطليقي ويريد تزويجي لأي شخص، كان كل يوم يأتي بعريس، وبأي ثمن لا يهمه “إلا الخلاص مني”.
على دنيا أيضاً لم تمر هذه الجائحة عليها دون أن تترك أثرها على خدها، تقول بعبرة عابرة: أخي لا يستطيع أن يتكفل بأولادي ولذلك تواصل مع طليقي للحصول عليهم، بالرغم من أن القانون يكفل لي حضانتهم، تضيف بذات العبرة: لم أستطع مجاراة أخي في فعله فقد كنت “مقيدة” وكأن الطلاق “ذنب قمت بارتكابه”.
التنمر الإلكتروني
على النقيض من ذلك تنظر خولة السماوي وهي موظفة تربوية للطلاق من ناحية إيجابية بأنها “اشترت دماغها” حد وصفها، وتضيف: “ترك الشخص الغير مناسب، هذا بحد ذاته شيء إيجابي للطلاق”، وتوضح بأن سبب قوتها هو اعتمادها على نفسها “أنا قوية بعلمي وعملي، أستطيع الحصول على دخل مناسب لي نجوت من إخوتي وزوجاتهم وأهلي”.
نجت خولة من التنمر من قبل أهلها ولكنها لم تسلمه من المجتمع تقول: “الطلاق وصمة سوداء في نظر المجتمع”. وفي كوفيد 19 كان أكثر حداثة عن غيره فقد كانت تتلقى سيلاً من الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يظهر في حسابها تعريفها بأنها امرأة مطلقة، بعضهم أصدقاء وآخرون ظهروا حد قولها مع الفيروس. تقول: أتلقى الإزعاج بشكل مستمر من طليقي ومن بعض الأشخاص، ولكن مع جائحة كوفيد 19 زادت بشكل كبير. تعتقد خولة أن بقاء الأشخاص وتفرغهم زاد من نسبة التنمر الإلكتروني عليها.
هل تتكرر الحكاية؟
مثل هذه الظواهر بشكل عام لها أبعاد اجتماعية سيئة قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة عوضاً عن حلها. هكذا وصفت المختصة في علم الاجتماع الدكتورة أماني المريسي الظاهرة. وقالت “من المتوقع وجود هذه الظاهرة بشكل كبير خصوصاً في ظل مجتمع تحكمه مجموعة من الأعراف والتقاليد، وأن سلطة العائلة قد تشكل حاجز صعب على المرأة في مثل هذه الحالات”.
وعن تأثير كورونا في تنامي هذه الظاهرة وانعكاسها على المجتمع، تقول: “أي أزمة صحية أو اقتصادية أو سياسية يكون لها تأثير على مكونات المجتمع والأحداث الدائرة بداخله، وتعتقد المريسي أن جائحة كوفيد-19 أثرت بشكل كبير على زيادة مثل هذه الظواهر الغائبة عن الدراسات والأبحاث، والتي تؤثر سلباً في بنية المجتمع السليمة.
أصبحت النساء يخشين من الطلاق وما يترتب عنه من عواقب نفسية واجتماعية أكثر من المشاكل والعنف الذي يتعرضن له من قبل أزواجهن حينها، تفكر المرأة قبل الطلاق والتخلص من عدم التوافق الفكري والاجتماعي فيما إذا ستكرر معها قصة عائشة ودنيا، أو سيكون لها براً آخر ترسو عليه.