جندي يمني يصوب سلاحه من وراء مترس | Shutterstock
article comment count is: 1

إلى أطراف الحرب.. أرفع صوتي!

هل يعرف صناع الحرب في اليمن ماذا كانت شابة مثلي تفعل قبل اندلاعها؟ هل يعرفون ماذا فعلت الحرب بنا بعدها؟ هل يدركون مخاوفنا تجاه استمرارها؟

لأن عليهم أن يعرفوا ولأن مسؤوليتهم أن يدركوا، أكتب..

في مارس من العام ٢٠١٥ كنت في صنعاء منكبة على دروس اللغة الفرنسية المؤهلة لمنحة YLNG للدراسة الجامعية في فرنسا. كانت فرصة حياتي -أو هكذا اعتقدت- فذبت تماماً في التخطيط لها والاجتهاد للنجاح فيها. تدهورت الأحداث بعد 25 من مارس وعُلق برنامج منحتي، وتبخرت بلحظة شهور من الجد والحلم.

وقتها كنت الوحيدة من أسرتي حين اندلعت الحرب في الداخل اليمني، فكانت خطتي أن ألتحق بهم و أرفع من فرص إيجادي لوجهة دراسية جديدة. في طريقي إليهم انتقلت بين المدن ورفاق السفر إلا أن اثنتي عشر ساعة في منفذ العبر المؤدي للسعودية كانت ما سأتذكر طول عمري.

عندما وصلت للمعبر كان الناس في الانتظار قبلي بالآلاف، كانوا جميعهم يحاولون الالتحاق بأسرهم مثلي بالضبط. افترشوا الصحراء محتشدين بتعب أمام مدخل منفذ الوديعة السعودي. يومها رأيت الناس تتقاتل على شربة الماء وكسرة الخبز من طول ما مكثوا في الخلاء البعيد ثلاثة كيلومترات على الأقل عن أقرب بقالة، ثم من حين لحين تخرج قوات يمنية وأخرى سعودية تضرب الناس بالهراوات أو تصعقهم بالكهرباء. رأيت أماً وأطفالها يختبئون من أشعة الشمس العمودية مفترشين الأسفلت تحت شاحنة، ورأيت أسراً ترمي بحقائبها لتصنع لنفسها فرصة أمام جموع المتدافعين الفارين من ويلات الحرب.

كان من حظي أنني عبرت، لأقضي ثلاثة أشهر في السعودية قبل أن أعود نهاية الصيف إلى عدن، حيث منزل عائلتي الذي بناه والدي بمدخرات عمره كان قد تضرر وسُرق ولم نكن قد سكنا فيه لأكثر من خمسة أشهر. لم يعوضنا أحد، وأنفقنا وسننفق سنوات من أعمارنا إضافية لترميم ما فقدناه نفسياً ومادياً. على أن خسائرنا من فرص ومجهودات عُمر لا تُذكر ولا تُهمّ وليست سوى حظ جيد في زمن الخسارات الفادحة، في زمن فيه الموت والإعاقات الدائمة حدث طبيعي!.

جانب من المنزل المدمر من الداخل

قصتي أعلاه ليست كاملة، بين أحداثها وبعدها كانت الخسارات عميقة. لذا و بعد خمس سنوات من الاحتراب والخسائر المعلنة وغير المعلنة أرفع صوتي لأطراف الحرب!.

على أطراف الحرب أن تدرك:

  • ألّا انتصار يلغي الآخر قد يتحقق، و أن استمرار الحرب لا منطقي، سوى أنه يستخدمهم في صراعات إقليمية لا يرغب أربابها في دفع خسائر مباشرة فيها، فيخسر الشعب في اليمن بالنيابة. لذا فالاتجاه نحو وقف شامل لإطلاق النار يجنب البلاد وأهلها المزيد من الخسائر أمر لابد ألا يتأخر أكثر.
  • أن الخسائر المباشرة و غير المباشرة في السنوات الخمس الماضية ستبقى حملاً ثقيلاً لعقود قادمة، وأن إطالة أمد الحرب بالتالي مضاعفة خسائرها يأتي على حساب فرص الشعب في حياة كريمة في أي مستقبل قريب، لذا فإحلال السلام أولوية عاجلة لإنقاذ مستقبل البلاد، بما فيه مشاريعكم السياسية.
  • أن تأمين حقوق الناس من المأوى، العمل، المعيشة، التعليم والحق في التنقل بالإضافة لمحاسبة المسؤولين عن خسائرهم وتقديم التعويضات وجبر الضرر من أولويات مسؤولياتكم، وأن التهرب من هكذا مسؤوليات سيجعل الاستقرار في المستقبل بعيد المنال وسيخلق أسباباً لصراعات داخلية بلا نهاية تجردكم من انتصاراتكم المؤقتة، فغياب سلطة شرعية مسؤولة وفاعلة داخل البلاد هي مأساة المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله لكنها أيضاً مأساة المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية المقيمة خارج البلاد. انقسام السلطة ومن ثم غيابها وركاكة أدائها وتقاعسها عن الاهتمام بمصالح الناس ومعيشتهم حرب ثانية أشمل وأعمّ، لن ينسى الناس أبداً دوركم فيها.
  • أن التحالف العربي يحمل مسؤولية أخلاقية تجاه دوره المباشر في الحرب، وعليه فإن موقفه من معالجة آثار الحرب وتعويض المتضررين مؤشر لاحتمالات استقرار مرحلة ما بعد الحرب، لكن تعامله مع ملفات كإعادة الإعمار في المناطق المحررة منذ خمس سنوات حتى اليوم  مُخزٍ وعامل رئيس في استمرار معاناة المواطنين، رغم انتهاء الحرب “نظرياً” في تلك المناطق.

لذلك كله و أكثر على الحرب أن تتوقف، وأن تتوقف الآن. وأقول لأطراف الحرب إن عليكم مباشرة مسؤولياتكم، وإلا فإننا مقبلون على عصر من التعقيد والصراعات الكامنة والظاهرة.. اللا منتهية.

 

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)

  1. الى اطراف النزاعات والحرب وقفو قلوبنا اصبحت هشه للحد الى صرنا حتى خيالنا نخاف منه نخاف من انو نصحي الصباح ومعاد نلاقي احبابنا حولينا خسرنا صحتنا واهلنا وسعادتنا خسرنا فرحه العيد وخسرنا كل شي كان يسعدنا بالله كافي خلونا نعيش بأمان بلادنا بعد أمان الله لمتى راح نشوف الخوف بأولادنا واهلينا وانفسنا حكمو ضمائركم اليوم انتم فوق الارض بكره تحتها ارجعو لله وللوطن وحبوه لانه مااحد راح ينفكم بالنهايه