الحرب السلام مأرب اليمن
أثناء رسم جدارية في مأرب | هيومنز أو تعز
article comment count is: 0

بين شعاري «النصر» و «الهزيمة» شابة يمنية تبرز شعار «السلام» في مأرب

حين اشتدت الحرب استعدت دون تراجع لتنفيذ مشروعها (سفراء السلام – مأرب) لغرس مفاهيم السلام بطرق غير مباشرة كخطوة أولى وسط مجتمع يعيش الحرب كل دقيقة، لمحاولة نزع مفاهيم العنصرية والكراهية وتعميم مفاهيم التصالح والسلام المجتمعي والأسري للتخفيف من حدة الأوجاع التي تزداد يوماً بعد آخر في الوسط اليمني بكافة فئاته بسبب الحرب التي باتت سلوك حياتي للمجتمع.

تختلف شيماء حميد (30 عاماً) عن غيرها من صانعات السلام في اليمن كونها من قلائل النساء التي سعت نحو دعوات السلام في مأرب بخطوات واثقة وسط أشواك كثيرة، فخصائص المجتمع بمأرب قد تشكل عائقاً لهذا النوع من المشاريع، والحرب التي تحيط بمدينتها من كل جوانبها هي الأخرى عائق (كمن يبحث عن إبرة في كومة قش) لكنها أوجدت إبرتها وأزاحت الأشواك عن طريقها بيديها وحلم حياتها الذي ترعرع وكبر معها منذ زمن.

صنعت شيماء حميد ما تصبو إليه، ومن حولها حشدت الشباب والمبادرات الشبابية لإشراكهم في تحقيق ما يحلم به كل يمني ولو بخطوات بطيئة لبناء السلام على مراحل “يبدأ بالذات أولاً” حيث أهلت ودربت ست مبادرات شبابية على أهمية السلام المجتمعي وما دوره في تحقيق استقرار نفسي واجتماعي لدى المجتمع ثم انطلقت بهم لتنفيذ مشروع سفراء السلام وغزت بهم مكامن الخلل في قعر داره.

وضعت إعلان على منصة مشروعها (سفراء السلام) على مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة المبادرات الشبابية للاشتراك في تنفيذ المشروع حيث قدمت حوالي 40 من المبادرات الشبابية في مأرب، كان الجميع متحمسين للعمل على المشروع ولكن بسبب محدودية المناطق ومحدودية العدد المطلوب تم اختيار ست مبادرات شبابية للمشاركة في بناء السلام المجتمعي بدعم من (مؤسسة سد مأرب).

“نزلنا بمكبرات الصوت والملصقات المليئة بكلمات السلام إلى مديريات الوادي وحريب والمدينة للتوعية المباشرة لتعزيز مفاهيم السلام المجتمعي والدعوة إلى نبذ العنصرية والعنف ووقف إطلاق النار. استقبلنا الناس بترحاب واسع على عكس ما كنا نفكر به تماماً، المجتمع يتوق للسلام بكل نواحيه” حيث استهدف المجتمع المحلي بكل أطيافه بما فيهم المهمشين والرجال والنساء من النازحين والمجتمع المضيف.

دوري السلام الرياضي

توخت شيماء الحذر بخططها لنشر السلام المجتمعي ولم تواجه مروجي الحرب بل واجهت الحرب نفسها ولكن بطرق غير مباشرة كجزء من مشروع سفراء السلام فنفذت فكرة منافسة الفرق الرياضية في مديرية حريب والوادي والمدينة تحت مسمى (دوري السلام) حينها عاش الشباب أياماً خارج دائرة الحرب التي يعيشونها منذ سنوات وتنفسوا نسيماً جديداً على حياة مليئة بالكراهية والنزاع المستمر.

ثم اقتحمت جانب رياضة النساء (وهي المتصدرة لها في مأرب وحيدة في ملعب لا يدخله سوى الذكور) فرفعت شارة طردهم جميعاً معلنةً أن الملعب يجب أن يخلو للنساء اليوم لـما أسمته (دوري الشطرنج للفتيات) وبعد دوي صفارتها الحازمة الجادة انطلقت مسابقة الشطرنج لـ16 فتاة حتى انتصرت في نهاية الجولة لتفوز إحدى الفتيات النازحات بشطارة لعبة الشطرنج في مخيم الجفينة للنازحين.

تقول شيماء وهي ممسكة فأرة الحاسوب في مكتبها بمؤسسة سد مأرب أن للنساء حق أن تخلو لهن الأجواء لقيادة السياسة والرياضة والمشاورات والدولة، فالمرأة لها القدرة والجدارة لقيادة المجتمع بكل فئاته، عددت شيماء الكثير من النساء رائدات العمل الإنساني والسياسي والدبلوماسي في اليمن قديماً وحديثاً مشيرة إلى أن هناك نماذج كثيرة تشير إلى نجاح المرأة اليمنية حالياً في ظل حرب تشهده البلد، وبرزت بنجاح كبير في محافظات مختلفة، منها: مأرب، تعز، صنعاء، عدن، حضرموت، وغيرها.

نفذ المشروع بنجاح بشقيه الميداني والإلكتروني. تقول شيماء إن موضوع تنفيذ المشروع كان يعتبر تحدياً كبيراً حيث أنه نفذ في ظل حرب شديدة تشهدها البلد عامة ومأرب خاصة فيما كان المجتمع يتوجس من أي لفظ قد يخترق مشروع الحرب ولفظي النصر والهزيمة ولا شيء سواهما.

هدف المشروع إلى تعزيز مفاهيم بناء السلام كهدف عام وخطوة أولى لمشاريع قادمة لتحقيق السلام في مأرب، وحقق المشروع هدفه في تصحيح الفكرة المغلوطة لدى المجتمع عن السلام وخاصة ممن ضحوا بالحرب ومن فقدوا أعزاء عليهم، بحيث يعتبرون أن دعوات السلام هي دعوة لإقصائهم وظلمهم، وهذا غير صحيح بينما السلام هو وقف الحرب ومحو الطبقية وفتح الطرق بين المحافظات ليستقر ويعود الوضع الطبيعي للبلد والمواطن.

منحة حياة

ففي الوقت الذي أنجرت المنظمات المجتمعية في مأرب إلى الأنشطة الإغاثية قفزت شيماء خارج التيار لتصنع تيار صناعة السلام، وقبل أن تحتويها مؤخراً مؤسسة سد مأرب التي تعني في الحماية وصناعة السلام في مأرب لتصبح اليوم مديرة مشاريع المؤسسة، حيث كانت قبلها قد نفذت الكثير من مشاريع بناء السلام بشكل منفرد وجماعي وبجهود ذاتية وشبابية مستقلة كما نفذت في يوم المرأة العالمي صباحية شعرية صدحت فيها أصوات الشعر والأدب لشاعرات شابات مأربيات ونازحات، وتلاها الحملة الشبابية (منحة حياة) للتبرع بالدم لمرضى الفشل الكلوي بالمحافظة، فيما الوقت الحالي تعد لمشروع تعزيز الأمن والسلام في مدينة مأرب بالشراكة مع المجتمع المحلي.

بعد إصرار شيماء على تنفيذ ما خططت له وصنعت من المستحيل واقعاً يجب أن يذلل من صعابه أمام طموحاتها في تحقيق السلام في بلد وبلدة عاشت الحرب منذ الأزل ولم تسمع جدران مبانيها يوماً عن السلام، لكن ريشة شيماء ورفقائها في (فريق بنيان) الشبابي بعد لم شتاته في مأرب إثر النزوح من صنعاء، رسموا حمائم السلام والورد على جدرانها الشاحبة، ورغم أنها لم تبقَ تلك الرسمات على الجدران عدا سويعات قليلة حتى تمت إزالتها من قبل مجهولين إلا أنها خطوة مثلت انتصاراً كبيراً بالنسبة لأول خطوة لها بعكس تيار الحرب الذي يجر الجميع نحوه.

ولم تكن تلك الحادثة محبطة كثيراً لها بل زادت من حدة الاهتمام بفكرة الرسم كتعبير فني للسلام، وذلك لتوفير متنفس فني للفتيات حيث شاركت شيماء رفاقها في معارض للرسم بمأرب خلال الثلاثة الأعوام الماضية التي ساهمت فيها الفتاة بالكثير من الرسم الإبداعي المعبر عن السلام والحرية وحقوق المرأة.

حملت شيماء ضمن جعبة نزوحها من صنعاء إلى مأرب همّ بلد وإلى جواره مشروعها الدائم والداعي إلى السلام، فهناك تساؤل يساورها لماذا لا تتوقف الحرب ونقول كفى آلام ومرحباً بالسلام؟

بنشاطها وحبها لمشاريع السلام استطاعت شيماء (التي تخرجت من كلية التربية قسم اللغة العربية بجامعة صنعاء) أن تقود الكثير من مشاريع السلام مستفردة بالساحة التي تخلو منها تلك المشاريع، وتعد خبرة وشغف شيماء دافعاً أساسياً لتتصدر مشاريع السلام كونها بدأت نشاطها المجتمعي منذ 7 أعوام ونجحت في أن تكون سفيرة سلام وأم ناجحة في ذات الوقت.

 

  • تم إنتاج هذه المادة من مبادرة “هيومنز أو تعز” في إطار نشاط بناة السلام لـ “منصتي 30″.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً