أحلام واقع
article comment count is: 1

“أحلام”.. تُترجم إلى واقع!

أن تحلم بمشروعك الخاص، وخياراتك محدودة، فذلك يتطلب كثيراً من الإرادة والاعتزاز بالذات، كي تصل، وتتمكن من ترجمته إلى واقع ملموس.. هذه الأحلام تتعاظم عند الفتاة الريفية، لكنها في اليمن نادراً ما تجد طريقاً إلى تحقيقها.

ثمة فتاة في منطقة النشمة، ريف تعز الجنوبي، انكسرت على عتبات الطفولة بزواج مبكر، خذلها كثيراً، وقيَّد طموحها.. أحلام عبدالله، في الثلاثين من عمرها، توقفت عن دراسة الثانوية، على أمل استئنافها بعد أشهر من الزواج، إلا أن هذه الآمال لم تدم طويلاً.. مرت السنوات، وعلى عاتقها مسؤولية الزوج والأطفال حتى عاد زواجها المبكر ليسرق منها استقرارها بالانفصال بعدما سَرقَ حلمها بالمستقبل.. “كنتُ أحلم أكون طبيبة”.

لم تشأ أن تستسلم لظروف الحياة، فقد وجدت العودة إلى منزل والدها، وسيلة لاستجماع القوة في حضن والدتها، ومقاومة الكسرين، باستلهام أبجديات الحلم من جديد.. ففي العام 2017م التحقت أحلام بالمعهد الزراعي في منطقة “الخيامي” القريب من قريتها “إذكار” لتبدأ مرحلة المثابرة والجمع بين الدراسة وتربية أطفالها الأربعة.

وقفت والدتها سنداً تؤمن بأن عليها رسم قدر ابنتها بطريقة تختلف عما عاشته من أمية وفقر وشقاء.. فالمرأة التي تملك شهادة تتمكن من الوقوف على قدميها دون الحاجة إلى سند.. “والدتي هي من صنعت مني امرأة قوية، قادرة على التمسك بالحلم مهما ابتعد.. ساعدتني في رسم طريقي، ولا تزال رفيقتي في كل خطوة بالحياة”.. هكذا قالت أحلام اعترافاً بفضل والدتها، ولك أن تتصور أم تسند ابنتها وتشجعها على السير في خطى المستقبل. وابنة تطيع والدتها، وتحمل عنها أمور المعيشة.. كلتاهما تسندا الأخرى.

مُزارعة ناجحة

بالرغم من دخول أحلام مجالاً غير الذي ترغب به، إلا أن اتجاهاتها تبلورت خلال السنوات الأولى من دراستها في المعهد الزراعي، وبدأت تميل إلى البساتين، وزراعة الأشجار.. ومع كل فترة كانت تكبر أحلام امرأة لها من اسمها نصيب.. فبعد ثلاثة أعوام تخرجت من المعهد الفني للزراعة، ثم عملت مع منظمات عدة، لم يكن هدفها جمع المال الذي تحتاجه، بل تطبيق ما تعلمته على أرض الواقع، ناهيك أنها ساعدت غيرها من طالبات هذا التخصص، وحاولت نشر فكرة الزراعة بالطرق الحديثة، ومدى أهميتها في زمن التحطيب، وحث المجتمع على العناية بالأشجار المعمرة، والمحاصيل.

“مزرعتي تعني لي الحياة، والمستقبل بذاته” مفردات قصيرة، وتوصيف دقيق لروح أحلام الاستثنائية، التي لطالما حلمت بعد تخرجها بقطعة أرض تستطيع تحويلها إلى مزرعة منتجة.. هكذا ظل الشغف ينمو، ويكبر بسرعة وكثافة إلى أن تحقق الحلم وإنشاء مشروعها الخاص بدعم من مؤسسة خيرية.

يبدو في الصورة، مخيم زراعي، جرى تجهيزه وفقًا للمعايير الزراعية، يحتوي على أصناف كثيرة من المحاصيل، تزرعها يدا مُزارعة تتمكن يوميًا من العناية بها، والاهتمام بالشتلات الصغيرة من مرحلة الغرس حتى الثمار والحصاد.. تبذل أحلام جهداً كبيراً في سبيل مزرعتها، ونجاح الطرق والأساليب الحديثة الخاصة بالزراعة.

اليوم تتوسط أحلام أحلامها، بعد أن تُرجمت إلى واقع، ففرح ملامسة حلم تعثر مرات عدة كأنما تُزهر الأرض في فصل الشتاء.. وكثيرة هي أصناف الفواكه والخضروات التي تنتجها المزرعة، فالبطيخ (الحبحب) والخيار أبرز المحاصيل التي يجري تسويقها وبيعها للآخرين في أسواق المنطقة.. الأمر الذي يجعلها قادرة على إعالة أطفالها الأربعة، أولئك الطاقة التي استمدت منها الأحلام والقوة.. بهم ولأجلهم صارت هي الأخرى تريد رسم مستقبل صغارها.

وفضلاً أن المزرعة تعتبر مصدر دخل للمرأة وأسرتها فإنها تعد مساحة تستطيع أحلام من خلالها نقل خبراتها للمرأة الريفية، وتحفيزها لتكون قائدة نفسها.. تساند الكثيرات، وتقدم لهن العون والمشورة في أمور الزراعة، كما لو أن أحلام تتحول هي ومزرعتها إلى مدرسة في هذا المجال.

العمل حق

وحدها خبرة المرأة تفسر النجاحات التي تحققها في الحياة رغم الكسرات التي تعرضت لها، والمسؤولية التي وقعت على عاتقها، ناهيك عن الروح القوية والإصرار العجيب الذي يمثل دافعاً رئيسياً لأحلام التي ترى أن العمل ليس حكراً على الرجل، إنما للمرأة نصيب كبير باعتبارها تمتلك قدرات تكاد تكون أعلى مهارة، فالقدرات الجسدية لا تعني كل شيء.

في بداية الأمر، لم تلاقِ الدعم والمساندة من محيط الأقارب والمجتمع ككل.. فالكثير من الرجال كانوا يعتقدون أنها لن تصل إلى هذا المشروع، ولن تتمكن من تشغيله، وآخرون يرون خروجها للعمل تجاوز للعادات والتقاليد.. وبين هؤلاء وأولئك كانت والدتها تشجعها على تخطي التحديات.

تؤكد أحلام لـ “منصتي 30”: أن خطواتها الأولى بالمشروع كانت تشعرها بصعوبة التعامل والاندماج، لكن تدريجياً انخرطت بمحيطها، وصارت اليوم تجد عملها ممتعاً ومناسباً يوفر لها الشعور بالإنجاز وتنمية الذات.. ولأن روحها مشبعة بالكفاح والنجاح صار الجميع يلقبها بـ “المرأة الحديدية”.

تتمسك أحلام بأحقية العمل، وتحاول التغلب على فكرة التمييز، وتغيير نظرة المجتمع تجاه المرأة بناء على الكفاءة والخبرة.. يؤكد هذا الأمر اقتصاديون يرون أن تمكين المرأة يساهم في تحسين المستوى المالي، والوضع الاجتماعي للعائلة، وتحقيق المساواة في الدخل مع الرجل، وتجاوز ظروف الحياة المعيشية، كما يساعد في تنويع الأعمال، ودعم الانتاج، ونمو اقتصاد المجتمع.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)

  1. اولآ تحيت اجلال واكبر. لا لاخت حلام رغم قصاوت الحياه وصعوبتها الئ انها وقفت علا هدف وجتهدت وتوافقت. والله لايضيع اجر المحسنين. وزراعه من الااحسان للاخرين نقولها استمري والله يوفقك ويسعدك. 🇾🇪🌙