شارع مقطوع في تعز مع عبار تفيد بأنه منطقة قنص
شارع مقطوع في تعز مع عبار تفيد بأنه منطقة قنص AdobeStock
article comment count is: 1

المرأة وسيطة سلام!

منذ الوهلة الأولى ولمن يقرأ العنوان بحياد، سيقول وما الجديد في هذا الموضوع؟، ما الغريب أن تكون المرأة وسيطة وصانعة وحاملة وداعية سلام، فهي ليست كائناً غريباً عن المجتمع، وليست فرداً خاملاً في المحيط الاجتماعي بتدرجاته، لكنها بالعكس صاحبة مصلحة من سيادة السلام بأشكاله في منزلها ومجتمعها ومحافظتها ووطنها بل والإقليم والعالم أجمع، وهي المتضرر الأول من أي عنف ونزاع، تقدم فاتورة كلفتها عالية من حقوقها المختلفة في حالات اللا سلم، قد يصعب على الكثير من الخبراء والباحثين دراستها.

وفي اليمن تحديداً لم تكن مشاركة النساء كوسيطات سلام أمر جديد على عادات وثقافات العديد من المناطق في اليمن، سواءً في المناطق الريفية الجبلية أو في المناطق الصحراوية البدوية، أو حيث السهل، وصولاً إلى المدينة، فالعديد من الجدات في القبائل كانت تبادر في التدخل في حل نزاع بين قبيلة وأخرى وتكون كلمتها مسموعة ورأيها حاضر وقت إبرام الصلح، وقد يقودنا هذا الطرح لنتذكر وصول المرأة في التاريخ اليمني إلى سدة الحكم حيث تتزعم كافة أعمال بناء السلام وعقد المفاوضات والتحالفات بكونها ملكة أو حاكمة، ومنهن الملكة بلقيس، والملكة شوف والملكة أروى وغيرهن.

ولا ننكر وجود تراجع كبير في المجتمع اليمني في إعمال حقوق النساء وتمكينهن من المشاركة الفاعلة والتامة في إحداث تغيير يعود بالنفع على اليمن عامة، وهو جزء من سلسلة التراجع العام في حقوق الفرد والجماعة في اليمن الذي أدى لحدوث الكثير من الحروب والانقسامات وانتشار الجهل والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وغلبة الفكر المتطرف والإقصاء على قيم المدنية والمشاركة والمساواة، وبالتالي تأخر ظهور دولة قوية كافلة للحقوق والحريات.

وربما الوضع في اليمن اليوم أكثر حاجة وإلحاح في مشاركة النساء كوسيطات وصانعات سلام أكثر من الأمس القريب أو البعيد، وهي حاجة فرضها الواقع وليس من باب تنفيذ القرارات الأممية الخاصة بإشراك النساء فقط لأن اليمن عضو في المنظومة الدولية ووفاءً بالتزاماتها المعقودة، لكن الواقع المتغير خلال ثمان سنوات من حرب عاصفة هو الذي فرض هذه الحاجة المقرونة بالحق، ألا وهو حق المرأة في المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لبلادها، فالحرب وتفرعاتها التي شملت القرى والعزل والمديريات والأحياء وما نجم عنها من انقسام النسيج الاجتماعي وتشرذم العلاقات وزيادة وتيرة الخلافات والنزاعات المتعددة الأهداف، استدعت المبادرة النسوية الإيجابية تجاه هذا الواقع الأليم، وظهرت صور مختلفة لنساء وسيطات سلام خاصة في المجتمعات المحلية التي لا تراها عدسة مصور أو حروف صحفي.

وسيطة السلام “حنان مارش” مثلاً لم تكن ترى أن ما تقوم به أمر بطولي، أكثر منه واجب عليها في مساعدة مجتمعها والناس المحاصرين في تعز في تخفيف وطأة الحرب، ومع بداية الحرب في العام 2015 وبكل شجاعة كانت تقوم بمفاوضات وإقناع مشرفي جماعة الحوثي في السماح بدخول باصات أدوية محتجزة في النقاط، ونفس الأمر تقوم به في تسهيل مرورها في نقاط المقاومة الشعبية التابعة للحكومة الشرعية، وفي معبر الدحي قامت بمفاوضات عدة وكانت في حركة دخول وخروج لمساعدة النساء في الحصول على المساعدات الغذائية التي تتواجد بجوار نادي الصقر أي بعد معبر الدحي، ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل أخذت وقتاً متعباً في الإفراج عن شباب عاملين بالإغاثة أثناء احتجازهم في نقاط الحوثي خارج مدينة تعز في نهاية العام2015م، وبالفعل نجحت في إطلاق سراحهم وعودتهم إلى ذويهم بأمان، وبالتأكيد فإن المهارات التي تمتلكها في الإقناع والتفاوض لم تكن من تعليم عالي جامعي حصلت عليه وهي التي تكاد تقرأ وتكتب، والأم التي تحملت مبكراً مسؤولية إعالة فتيات وأسرة كبيرة.

مثل هذه الشخصية وغيرها ممن يمتلكن الشجاعة مع روح المبادرة والشعور بالمسؤولية في تخفيف حدة الصراع على البسطاء، والسعي لإقناع الأطراف بوجود مصلحة مجتمعية في الاتفاق على أولويات اجتماعية وإنسانية، هي صور جلية على قدرات النساء اللاتي لا تختلف عن قدرات الرجال في إحداث فارق في حياة الناس في وسط الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، وصناعة فرصة تعايش تكون أرضيته الحقوق للجميع.

هناك صورة عدة مشرقة وسط ظلام الحرب في بلادنا، لنساء وسيطات سلام فعليات كان وما يزال همهن وهدفهن الفكرة التي تنطلق من حماسهن في إصلاح ذات البين، وبالتأكيد مثل هؤلاء النساء بحاجة لتدوين تجاربهن وعكسها في بلورة جهود النساء في صناعة مجتمع أقل عنف وأكثر تعايش وتسامح، ووطن متعافي من الكراهية والخلافات يكون متاح لدولة مدنية تقوم على المواطنة المتساوية.

 

  • قاضية وناشطة في مجال حقوق الإنسان.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)

  1. مافي ايت مشكلة إذا كان لديها القدرة على إيجاد حلول للمشاكل خاصة المشاكل الاجتماعية