يبدو أن مقولة “المرأة نصف المجتمع” لم تعد صحيحة، لأن المرأة باتت هي كل المجتمع، إذا ما نظرنا للدور الإيجابي لها في مسيرة بناء المجتمعات، وإصلاحها، واختيار طريق السلام والتنمية في أزمنة الحرب والدمار..
ولاشك أن المرأة اليمنية تمثل من حيث العدد نصف المجتمع، ومن حيث التأثير تمثل كل المجتمع، وبلغة الأرقام تمثل النساء في اليمن ما قوامه 49.61% من إجمالي عدد السكان وفقاً لإحصائيات البنك الدولي، كما أن آخر تعداد سكاني شهدته البلاد في العام 2004 يفيد بأن النساء يمثلن ما نسبته 49.21% من عدد السكان الذي بلغ وفقا للتعداد 19.721.643 نسمة.
وللمرأة اليمنية أدوارها الإيجابية في ميادين السياسة، والعمل المدني، وفي سياق الأزمة التي تمر بها البلاد، لم تكن المرأة في يوم من الأيام داعية حرب، ولا أداتها، ولا شرارتها، وإن كانت ضمن ضحايا الحرب مثلها مثل بقية فئات المجتمع، ولأنها في الحرب لا ناقة لها ولا جمل فهي إذن الضحية الأبرز.
فحين دعا الرجال للحرب وأشعلوها، كانت المرأة في الطرف الآخر تقود المبادرات التي تدعو إلى السلام، وتعمل جاهدة على لم الشمل، ولم الفرقاء على طاولة الحوار، باعتبار أن الحوار هو العمادة التي تقوم عليها المجتمعات المتقدمة التي تنشد العمل المدني كطريق للبناء والتقدم.
وفي اليمن وخلال سنوات الحرب التي تزيد عن سبع سنوات كان الرجال يشعلون الحرب، وكانت المرأة اليمنية تعمل جاهدة على إطفاء نارها، من خلال الدعوات التي تطلقها المكونات النسوية لإيقاف الحرب والعودة إلى طاولة الحوار، والشروع في عملية سياسية تمهد للمرحلة الانتقالية التي تضمن مشاركة جميع الأطراف دون استثناء.
وعلى المستوى الفردي والجمعي كان للنساء اليمنيات حضورهن المميز في الوساطة المجتمعية، عبر ممارسة أدوارهن الإيجابية الهادفة للتقريب بين المكونات السياسية، والحث على اتخاذ الخطوات التي من شأنها التقريب بين الأطراف عبر إبداء حسن النوايا، وكان للمرأة حضورها في هذا الميدان من خلال قيادة النساء لوساطات أفضت إلى تبادل الأسرى والافراج عن المعتقلين، وفتح الطرقات، وغيرها.
فالمرأة اليمنية تواجه معركة ضد المجتمع ككل تهدف إلى تمكينها سياسياً لتكون صاحبة قرار سياسي، ومع ذلك لابد أن ننوه أن الحركة النسوية في اليمن لا تزال تواجه الكثير من التحديات السياسية والاجتماعية التي تقف حجر عثرة أمام تمكينها السياسي، في بلد تحضر فيه النساء في الخطابات والبرامج والقوانين، وتغيب في المناصب العليا ومراكز اتخاذ القرار.
ويعد إقصاء النساء وتغييبهن والوقوف في وجه تمكينهن السياسي تغييباً لنصف المجتمع، ما يعني تعطيل نصف المجتمع وتعطيل الدور الذي يمكن أن يلعبه، ولاشك أن تمكين المرأة سياسياً في أي مجتمع وإشراكهن في الحياة السياسية والمدنية يعد مؤشراً على تطور هذا المجتمع ومؤشراً على مستوى الحياة الديمقراطية فيه.
وتتعرض النساء اليمنيات لحلقات متتابعة من الإقصاء والتغييب والتهميش التي تقف كأحجار عثرة أمام عجلة التمكين السياسي للمرأة، كما تواجه المرأة الكثير من العراقيل المجتمعية التي تنظر للمرأة نظرة دونية، بالإضافة إلى خصوصية المجتمع اليمني الذي يمارس معظم نشاطاته السياسية والمجتمعية في مجالس القات التي يستحيل حضور المرأة فيها.
وتهدف المرأة اليمنية إلى الشراكة الحقيقية والهادفة لبناء المرحلة ومتطلباتها، من إرساء دعائم السلام والاستقرار بربوع الوطن، ومواجهة التحديات التي ترتبط بالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والمعيشي.
فالمرأة اليمنية تطمح من خلال تمكينها سياسياً إلى لعب أدوار فاعلة في المجتمع، وهي من خلال ذلك تؤكد أولاً على أنها مواطنة كاملة الأهلية للمشاركة الفاعلة في رسم توجهات وسياسات بلدها، وثانياً من خلال هذا التمكين تستطيع أن تلعب أدواراً فاعلة في تحقيق السلام والاستقرار والازدهار لوطنها وأمتها، وتوجه طاقاتها ومواهبها في أنسنة وبناء مجتمعها.
- هذا المقال أحد المقالات المرشحة ضمن “القائمة القصيرة” في مسابقة “مقالة الرأي” ضمن أنشطة حملة “الوساطة المجتمعية للمرأة” التي نظمتها منصتي 30.