المدنية النساء اليمن القبيلة الدولة
نساء يمنيات يرفعن الأعلام اليمنية في مسيرة في تعز، 3 نوفمبر 2015 | Shutterstock
article comment count is: 0

المدنية ودعم النساء في اليمن.. دور القبيلة والدولة!

في العقود الأخيرة، تظافرت العديد من العوامل، لدفع البلد نحو الحياة المدنية الحديثة، وكانت تلك العوامل؛ متعددة، ومختلفة، مثل: ثورة سبتمبر، وأكتوبر، وما تلاهما من تغيير، وكذلك ضرورة الحصول على التعليم الذي فرضته متطلبات الحياة العصرية، بالإضافة إلى انتشار التكنولوجيا، والتطور الفطري للأجيال ذاتها؛ فكل جيل يعتبر أكثر قابلية للتقدم من الجيل الذي سبقه، وانعكس ذلك الشكل المواكب للحياة الحديثة، بوجود نماذج نسائية ناجحة، وحققن ذاتهن، بالرغم من انتمائهن -بشكل أو بآخر- لعائلات كانت تنتمي إلى المجتمع اليمني القبلي، وهذا الذي حصل، يدعم فكرة أن المجتمع، وتحديداً في شمال اليمن، والذي يتمتع بتركيبة قبلية إلى حد كبير، وكان نظرياً لا ينتمي للتحديث، لم يمانع، أو يقف عائقاً، أمام التغيير، بل، ودعم الأمر بطريقة ما، وإلا لما وجدت نساء من هذه الأسر تتصدر الشأن العام.

الأسرة كأحد أسباب النجاح

في العالم بأسره، ليس من السهولة نجاح النساء، فالتراكم البشري، وإلى فترة قريبة، كان يعمل بطريقة لا واعية على الحد من دور المرأة، قبل أن يتم تلافي الأمر، وصناعة توجه يدعم النساء، وإعطائهن كل حقوقهن، بما في ذلك مساواتهن بالرجل، هذا فيما يخص الآخرين، بينما في اليمن، وكمجتمع يتصف بأنه قبلي، تعتبر المسألة أكثر تعقيداً، وقبل أن يحدث شيء في المجتمع كامل، كان يتطلب توجه أسري تجاه نسائهم في البداية.

ياسمين القاضي، صحفية، وحائزة على الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة لعام 2020، وخبيرة في حل النزاعات، وبناء السلام المجتمعي، تقول: “الأسرة دورها رئيسي، وتحديداً الوالد، فلا يمكن أن تنجح امرأة بدون دعمهم، وهذا ما حدث معي، ومع شقيقاتي، ويحسب لوالدي كسر الحاجز هذا خاصة في مجتمع قبلي مثل مأرب”.

أيضاً، وجود نساء ناجحات مؤخراً رغم انتماء أسرهن للمجتمع القبلي، لم يأتي الأمر بسهولة، بل تطلب الأمر عقوداً من الزمن، تم فيها تغيير كبير، ابتدأ مع الرعيل الأول، كي تأتي ثمرته في الجيل الجديد. الدكتورة بلقيس أبو أصبع، وهي أستاذة علوم سياسية، كاتبة، ولديها العديد من الأبحاث، أسست مؤسسة أوام الثقافية، كما سبق وأن عملت نائب لرئيس مكافحة الفساد، وتنشط مؤخراً في صناعة السلام، تقول عن الأمر: “في مجتمع تقليدي إذا لم يكن هناك أسرة داعمة، لا يمكن للمرأة أن تنجح، وقد كنت محظوظة بولادتي في أسرة تقدر النساء، وتدعم التعليم، وهذا ما حدث معي، أني وكل خواتي، وكل نساء أسرتي”.

القبيلة اليمنية، كداعمة للنساء

لا نستطيع القول إن القبيلة اليمنية كانت داعمة، وبشكل كلي للدفع نحو الحياة المدنية، ومنه؛ تعليم النساء، وعملهن في الشأن العام، لكن، كانت الكثير من الأسر، التي وبالرغم من جذورها القبلية، إلا أنها تحمل عقلية مختلفة، دعمت المرأة، وصنعت من نسائها رائدات في مجالهن، تفسر بلقيس أبو أصبع أسباب ذلك الأمر، قائلة إن الأسرة نفسها، عندما تكون متعلمة، ينعكس ذلك على أبنائهم، وبناتهم، وتضيف: “مثلاً؛ أني من أسرة كانوا من مناضلي ثورة 26 سبتمبر التي غيرت كل شيء، وينتموا لليسار المعروف بدعم الثقافة والاطلاع، وهذا الوعي الذي تشكلت منه عقلية أسرتي، قد انعكس علينا، وعلى نسائنا”.

هناك أسباب كثيرة جعلت القبيلة تدعم النساء، وتدفع بالمرأة، وقد يعود ذلك لتأثيرات عدة على المستوى الوطني ككل، أو على مستوى الأشخاص، تقول ياسمين القاضي عن ذلك: “كان لثورة سبتمبر الفضل في توفير التعليم، كما أن ثورة فبراير ساعدت المرأة اليمنية، لكن، وبشكل عام، بقيت القبيلة تتطور، مثلها مثل المجتمع المدني، ومضى الأمر دون تصادم، لكن، المحور الأهم في دعم المرأة، يقع على رب الأسرة، والذي يواجه بدعمه للنساء حتى القبيلة نفسها، وفي تجربتي الشخصية، كان أبي هو أول من اتخذ توجه التعليم في منطقة مأرب، بقرار شخصي بحت، وقد اعترضه الكثير، لكن، وبحكم مكانته الاجتماعية قد أثر عليهم هو، وليس العكس، بل، وأصبح الكثير يدفعون ببناتهم للتعليم فيما بعد”.

المدنية في اليمن: دور الدولة، والقبيلة

في هذا الشأن، أي تحديث البلد، هناك نظريات مختلفة، إحداها ترى بأن التغيير يبتدئ من المجتمع، وأخرى، تنظر بأن التغيير لا يمكن تحقيقه، إلا من أعلى هرم السلطة.

أستاذة العلوم السياسية، بلقيس أبو أصبع، تقول: “الانتقال الكامل، يجب أن يساهم كل أفراد المجتمع، أي يتطلب الأمر وعي جمعي حقيقي، ويقوم المجتمع بدوره، ويرافقه توجه دولة” وتضيف أن “التعددية السياسية التي وجدت في تسعينات القرن الماضي، قد أشركت القبيلة، ونقلتها للعمل المدني”.

صحيح، أنه يجب أن تجتمع كل العوامل، لكن، وفي ظل مجتمع قبلي بقي متمسك بالتقاليد لفترة طويلة، من المهم أن يبدأ التغير في وسطه، لأن ذلك، سيدفع نحو عمل تغيير عميق في البنية المجتمعية، مما قد ينعكس بنتائج شاملة رهيبة”.

تقول الناشطة ياسمين القاضي إن “التغير يبدأ بالدولة، والتي بإمكانها توجيه القبيلة، والمجتمع معاً”، وتضيف: “الجميع بحاجة دولة قوية لصناعة التغيير، وكل العوامل الآن أصبحت تدفع بالقبيلة لدعم المرأة، كالتكنولوجيا، والانفتاح، وكذلك الجدوى الاقتصادية من تعليم المرأة، لأنه سيعود عليها بدخل جيد”.

حاضر المرأة اليمنية

“ما يحدث في اليمن، وخاصة مع المرأة اليمنية في الفترة الحالية، يمكن وصفه بالتراجع عما كانت عليه، فما وصلت له، وإلى قبل الحرب تحديداً، كان أكثر تقدماً من الآن”، تعلق ياسمين القاضي، قائلة إن “استمرار دعم الأسر لنسائهم سينقذ ذلك”، وتضيف: “ولو أن هناك مجتمع جائع، وهذه أولوية، لكن، أيضاً، يجب أن تنتزع المرأة حقوقها، والاستمرار بذلك قانونياً، مع مواصلة النساء تأهيل أنفسهم، بعيداً عن التبعية للجماعات، أو الأحزاب”.

أصبحت كل وسائل الحياة تدفع نحو التقدم، إلا أن محاولة الانغلاق قد تؤثر بشكل أو بآخر على مستقبل النساء اليمنيات، خاصة مع محاولة تحفيز القبيلة على ضرورة المحافظة، وفرض قوانين ضد حرية النساء، وما إلى ذلك. الدكتورة بلقيس تقول: “أعتقد الوعي اليمني قد تشكل بأهمية وجود النساء، ومشاركتهن، قد يلغى ذلك لفترة وجيزة بالحرب، لكنه، لن يستمر طويلاً، وبالرغم من التضييق، ماتزال النساء تعملن بالشأن العام، وبشكل مستمر، وسيبقى، لأن هناك تغيير اجتماعي قد تم، ولن يتم التراجع عنه”، وتختتم حديثها بأن “على النساء الاستمرار بالدفاع عن حقوقهن، بكل الوسائل، وعلى الأسر دعم نسائهم للتعليم”.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً