فتية يلعبون كرة القدم في مدينة شبام، حضرموت، 21 فبراير 2011 | Shutterstock
article comment count is: 0

ما لم تطله يد الحرب في اليمن!

“ما بالنا لم نعد نشعر بمرور الأيام؟!”، سؤال يستنكر به سلطان نعمان، ناشط شبابي في مجال السلام، واقعه الذي يصفه بالمكرِّس للروتين المُقيِّد، ثم ما يلبث أن يقول: هذا تسامحٌ مع الذات، وتبلّدٌ أصابني مما نمر به في بلادنا على مدى السنوات الماضية، سنة تتلوها أخرى، والمتصارعون لا يُلقون بالاً لمعاناة الشعب وآلامه، يستميتون في استنساخ صور جديدة للحرب، وكأنهم يتلذذون بما يفعلون”. يقول نعمان ذلك بنبرة حزن وألم.

ويضيف “سئمنا الحرب وكل ما ارتبط بها، نحن بحاجة إلى السلام الأبدي، نحتاج للشعور بالأمان، نريد أن نصل إلى مرحلة الابتسامة الكاملة، ولكننا قبل ذلك لا بد وأن نملك الإرادة الحقيقية للوصول إلى التسامح المجتمعي الشامل، بين بعضنا البعض. لدينا الكثير مما نملكه في هذا السياق؛ لنبني عليه ما نريد الوصول إليه، بعيداً عن الحرب وأطرافها”.

ويحيي العالم في السادس عشر من نوفمبر كل عام اليوم الدولي للتسامح، وهو يوم دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1996 الدول الأعضاء إلى الاحتفال به في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجّه نحو كل من المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور.

منذ ست سنوات يحيي اليمنيون هذا اليوم بكثير من الأمل المعلّق على ما تبقّى من قيمهم الاجتماعية الجامعة، وقواسمهم التعايشية المشتركة، تلك التي لم تطلها الحرب بعد، أو أنها غضت الطرف عنها لوقت آخر، في ظل أولوياتها المتعددة.

ابتسامةٌ وأمل

أثبت اليمنيون أن المشاركة المجتمعية، وتفعيل القيم الكامنة شيء لا بد منه من أجل ترميم النسيج المجتمعي، وإعادة الاعتبار له. أكدوا ذلك بتظاهرتين إلكترونيتين ساهمتا في حشد غير مسبوق، بنيت عليه استجابة واسعة لرسم الابتسامة وإعادة الأمل لشابين كانا في أمس الحاجة لما سبق. الأول في عدن، والآخر في صنعاء.

وجه محمد علي عبدالله، شاب كفيف من أبناء عدن دعوة عبر صفحته على الفيس بوك لحضور زفافه، جاءه الجواب على غير المتوقع، إذ انطلقت حملة إلكترونية تحت هاشتاج #ابشر_كلنا_اصحابك شاركها آلاف اليمنيين من كافة المحافظات. أما أبناء عدن فقد احتفلوا بمحمد على الأرض، احتشد المئات، وجسدوا ملحمة تشاركية مثالية، أقل ما يقال عنها إنها أعادت لعدن روحها، حين رسمت الابتسامة على محيا محمد، وصنعت ليلة انتظرتها عدن منذ ست سنوات. وقد اتفق الجميع على أن يحتفلوا، بعيداً عن الحرب وتجاذباتها.

صور جويه لزفاف اخونا محمد علي عبدالله الاعمى يوم جميل كان وشكرآ لكل ابناء عدن انتو شعب عظيم 😍

#ابشر_كلنا_اصحابك
19.7.2020

تم النشر بواسطة ‏‎Galal Haikl‎‏ في الأحد، ١٩ يوليو ٢٠٢٠

 

في صنعاء وجد أكرم الصلوي نفسه محاطاً بالعشرات يمسحون دموعه المنسكبة جراء احتراق مركبته التي تمثل مصدر رزقه. خلال ساعات من الحادثة كان هاشتاج #صاحب_الباص يجوب وسائل التواصل الاجتماعي في أرجاء اليمن. باتت لأكرم مركبة أخرى، وزاد على ذلك أن تم زفافه، في صورة أخرى من صور التلاحم المجتمعي، التي بإمكاننا البناء عليها للوصول إلى تسامح شامل، يوقف الحرب، ويطلق للسلام العنان.

بخصوص الباص الذي حرق اليوم في صنعاء..
في ناس بارك الله فيهم يشتوا يساعدوه وفي ناس قد بدأو يجمعوا..

تواصلت مع ابن عمه…

تم النشر بواسطة ‏صنعاء روحي| Sanaa Rohi‏ في الجمعة، ٢٤ يوليو ٢٠٢٠

لحنٌ وفن

إضافة للقيم السائدة، فإنه لا غنى عن القواسم البينية، والتي ما زال بعضها ينبض بالحياة اليمنية الواحدة، مستمدةً ذلك من الإيمان المشترك بضرورة أن يبقى هناك شيء ما لا سبيل للحرب إليه، تماماً كالأغنية اليمنية، التي وبالرغم من ظهور ألوان تغني للحرب إلا أنها صمدت في وجهها، وعبّرت عن العمق اليمني بما يجسد حقيقته المُغيّبة، فصنعاء تغني لعدن، ولحج لتعز. فالألحان بطبيعتها محل إجماع وطني، فلا يطيب السمر في قصور صنعاء إلا على أهازيج لحج، وترانيم فيصل علوي، ومحمد سعد عبدالله، والمرشدي، والقائمة تطول.

أما الدان الحضرمي فرفيق الأوقات كلها، يسافر مع اليمنيين ذهاباً وإياباً بصوت أبوبكر سالم بلفقيه الذي لا يختلف اثنان على أن له أولوية في الحل والترحال، بجانبه أيوب طارش، الصوت الذي ارتبط بالوطن، وقد غنى لكل شيء فيه، في لوحة غنائية ممزوجة بالشوق والحنين، محاطة بالوله والأنين، وهذا ما جعل أيوب يغني بكل اللهجات للأرض وللشجن، للحب وللوطن.

“هناك مشترك عام في الغناء اليمني بقدر تنوعه، فالثقافة الموسيقية واللحنية مشتركة، فليس غريباً أن يترنم ابن عدن بألحان صنعاء والعكس، فالجوانب المشتركة هي من تشكل الذائقة”، هذا ما يراه الكاتب والروائي جمال حسن.

ويضيف: لدينا مثلاً ألحان أيوب، منتشرة من صعدة إلى المهرة، وفي عدن غنى الماس وقعطبي وباشراحيل ومحمد سعد وفيصل علوي اللون الصنعاني، والكبسي في صنعاء غنى اللون اللحجي. وهكذا كل مدرسة تجذب الأخرى وتتداخلان لتشكلا صورة فنية مشتركة.

إلى حدٍّ ما تأتي الدراما اليمنية الموسمية على قائمة الجوامع التي يلتف حولها اليمنيون للهروب من واقع الصراع الملتهب، وتلقى المسلسلات اليمنية تفاعلاً كبيراً خلال بثها، وسط انتظار محفوف بالشغف المشترك من كل محافظات البلاد. وهو ما يجب أخذه في الحسبان قبل الإنتاج الدرامي والسينمائي، بضرورة الاقتراب من تطلعات المشاهد واهتماماته، لا أن نعيد إنتاج واقعنا المرير في العالم الافتراضي أيضاً، وهو ما يجدر فعله؛ من أجل الحفاظ على القيم التشاركية، وإعادة تفعيلها وتجسيدها اجتماعياً، والعمل بها وفق منظومة المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في سياق إنساني بحت.

ولا تستثنى الأزياء الشعبية، والموروث الثقافي، وتاريخنا المشترك من القواسم الواحدة بيننا، والتي تجسد هوية اليمنيين أجمع.

الرياضة مؤازرة

ليس ببعيد عن الخيار الجمعي، تبقى الرياضة عاملاً رئيسياً لصناعة التسامح والسلام المجتمعي والوطني، وهي في اليمن أحد أهم العوامل المشتركة التي تمزج بين اليمنيين وتوحدهم لتشجيع ومؤازرة المنتخبات الوطنية بفئاتها، والأندية التي تمثل اليمن خارجياً، وحتى على مستوى الأفراد، بعيداً عن أي تصنيف سياسي أو مناطقي، تبقى الجذور واحدة. وهذا ما لمسناه خلال التصفيات الآسيوية لمنتخبي الناشئين والشباب، اللذين تأهلا إلى النهائيات وسط احتفال شعبي غير عادي، عبّر به اليمنيون عن عطشهم للفرحة مهما كان قدرها. فالمهم أن يكون هناك ما يدعو للاحتفال، وما يوحد مشاعر أبناء البلد خلف مشهد واحد، تماماً كما تفعل الرياضة.

في أجواء خيالية في ملعب سيئون الأولمبي واول تيفو في الملاعب اليمنية نادي التضامن يفوز على نادي اتحاد سيئون بثلاثة أهداف…

تم النشر بواسطة ‏ريان المريسي‏ في الجمعة، ١٣ مارس ٢٠٢٠

 

هذا ليس كل شيء ليُبنى عليه تسامح مجتمعي وسلام على المستوى الوطني، لكنه -بحسبة الواقع- أهم شيء، ولم تمتد إليه يد الحرب بعد، ويكرس اليمنيون جهدهم على أن يبقى وصالهم ببعضهم البعض عبر هذه الأواصر المشتركة، التي لا ارتهان فيها لأحد، سوى للهم الواحد، ولما يجمع لا يُفرّق، وحتماً سيفلحون إن تمكنوا من الحفاظ عليها، والانطلاق عبرها لاستعادة ما صادرته الحرب من مشتركاتهم؛ كي يسود السلام، ويعم التسامح ربوع اليمن، بعد سنوات الحرب العجاف.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً