النظرة المجتمعية ذكورية إيجابية
article comment count is: 0

النظرة المجتمعية للذكورية الإيجابية!

إن النموذج الذكوري “للذكورية الإيجابية” هو ذلك الرجل الذي يقنع الآخرين من خلال سلوكه بتعزيز المساواة بين الجنسين وزيادة الوعي بالسلوكيات الإيجابية التي تقوم بالأساس على مناهضة العنف ضد المرأة، وتبني فكر إيجابي مدافع عن حقوق المرأة. ويمكننا تعريف “الذكورية الإيجابية“، بأنها مجموعة من السلوكيات التي يمارسها الرجال الذين يقفون ضد العنف ضد النساء، ويعتبر الرجل الذي يروج للذكورية الإيجابية محرك حقيقي للتغيير في المجتمع، مؤيداً للمساواة بين الجنسين وهو نموذج يحتذى به، رجل يسعى لتغيير العقلية النمطية والقيود الاجتماعية والثقافية في المجتمع وممارس للذكورية الإيجابية، مناضلاً ضد الذكورية السلبية التي تسعى إلى التقليل من قيمة النساء، والمتمثلة لجميع معايير الذكورية السلبية التي تبجل العنف والسيطرة والقوة المهيمنة، للحصول على القبول والنجاح الاجتماعي.

وسيلة للتغيير 

إن توظيف مصطلح “الذكورية الإيجابية” ضرورة للنهوض بوضعية المرأة ومحاربة العنف ضد النساء وتفعيل المساواة بين الجنسين، وحتى نتمكن من كسر الصور النمطية للذكورية السلبية وإعادة تعريف القوة يجب تشجيع الرجال على تبني التعاطف مع فكرة أن القوة لم تعد محددة فقط بواسطة البراعة البدنية، ولكنها تشمل المرونة العقلية والتعاطف والرحمة. ويتم تشجيع الرجال على هذا التحول، مما يعزز تعبيرات أكثر صحة وأكثر توازناً مع الذكورية الإيجابية لتسريع تحقيق المساواة بين الجنسين، ومناهضة العنف ضد المرأة، ويجب أن نشتغل على هذا الجانب باستمرار وعدم الاقتصار على مناقشته وتبنيه في المناسبات النسوية في إطار تخليد اليوم العالمي للمرأة مثلاً أو مناسبة مناهضة العنف ضد المرأة، لتحقيق العدالة والمساواة الذي يقتضي كسر الآليات المنتجة للعقلية الذكورية التي تؤدي إلى تولد العنف والتمييز ضد المرأة.

نظرة المجتمع للذكورية الإيجابية

إن العادات والتقاليد النمطية المتوارثة هي التي تحدد الأدوار النمطية لكل من الرجل والمرأة، في المجتمع اليمني والتي تعتبر أن مساعدة الرجل للمرأة وخاصة الزوجة، في بعض الأعمال المنزلية، أو الاعتناء بالأطفال فيها تقليل من هيبة الرجل، ومكانته، بصورة تجعل منه سخرية للآخرين وتعرضه للهجوم والتنمر باعتبار أن الرجل هو صاحب السلطة والقرار المطلق، والمتحكم والمسيطر على المرأة.

وإذا ما أردنا إنهاء تلك النمطية السائدة يلزم تعزيز مفهوم الذكورية الإيجابية، من خلال مكافحة الصور النمطية وإعادة النظر في الادوار التقليدية للرجال، وذلك بنشر صور إيجابية عن رجال يلتزمون بدورهم كآباء وأزواج يتقاسمون عبء الحياة اليومية مع زوجاتهم والتحرر من الصور النمطية.

وفي مجتمع اليوم، هناك تحدي للذكورية السلبية، فقد مر هذا المصطلح بتحول كبير نتيجة التأثيرات الاقتصادية والوضع الراهن في البلاد وخاصة لدى الرجال الذين يؤمنون بكسر القوالب النمطية وإعادة تعريف معنى أن يكون رجلاً يؤمن بحقوق المرأة ويناصرها.

إن وجود هذه النماذج تمثل أدواراً متنوعة تتحدى معايير الذكورية السلبية، وهو أمر بالغ الأهمية للتغيير ولتحدي الذكورية السلبية في مجتمعنا اليمني. فلم يعد الرجال محصورون في الأدوار والتوقعات التقليدية، فقد أصبح الرجال الآن أكثر حضوراً بالانخراط في الأنشطة المرتبطة تقليدياً بالأنوثة، مثل الطباخة والخياطة ورعاية الأطفال وغيرها. هذا التحول سمح باستكشاف مصالحهم ومواهبهم دون خوف من الحكم أو السخرية أو التهكم من المجتمع، وكذلك النساء اللاتي سُمح لهن بامتهان بعض الأعمال التي كانت إلى وقت ليس بالبعيد حكراً على الرجال وتحريمه على النساء نتيجة التأثر الاقتصادي وظروف الحرب في البلد، ويمكن للرجال تحدي هذه المعايير السلبية من خلال تبني التعاطف مع المرأة ومناصرتها كمبدأ إنساني، ورفض الصور النمطية الضارة التي تؤسس لعدم المساواة والتمييز من خلال إعادة إنتاج نماذج الذكورية المناهضة للمساواة وعدم التمييز وتعميق فهم المعاني التي تحملها الذكورية الإيجابية وتعميمها في المجتمع بمختلف مكوناته كنهج يقدم نمطاً جديداً للرجولة ومقاربة مختلفة للعلاقات الإنسانية بما يجعل من الرجال شركاء في التغيير وفي بناء مشروع مجتمعي يقوم على المساواة والعدل بين الرجل والمرأة.

والجميل في الأمر أن هناك عدد كبير من الرجال أصبحوا حلفاء للنساء في مكافحة التمييز ومناهضة العنف، مع إدراك أن التقدم الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تكامل الأدوار في إطار الجهود الجماعية. وفي هذا السياق ينبغي استحضار دور المرأة ودور الرجل في دعمهما ومساندتها ومناصرتها في فترات مشرقة من التاريخ تسيدته المرأة في محيط ذكوري إيجابي.

مواجهة وتعزيز 

ان من الأهمية بمكان اختيار موضوع الذكورية الإيجابية كمنهج مبتكر يسعى لتغيير العقليات والمواقف والسلوكيات المناهضة للمساواة، وضرورة لتوعية مختلف مكونات المجتمع من أجل النهوض بحقوق النساء، ومناهضة العنف ضد المرأة من خلال معالجة مصطلح الذكورية السلبية وتناقضه الصارخ مع الذكورية الإيجابية.

إن التغيير الحقيقي ينبغي أن يطال التشريعات والقوانين، وكذلك المقررات الدراسية ووسائل الاعلام المختلفة التي تزيد من تكريس هذه الثقافة المجحفة والتي يفوق تأثيرها تأثير كل الحملات الظرفية، فحملات التوعية وحدها غير كافية لتعزيز المساواة بين الجنسين ومحاربة العقلية الذكورية السلبية.

وأهمية التوعية الأسرية والتذكير بدور الرجال في تحقيق هذا الهدف وكسر الصور النمطية التي تربط مفهوم الذكورية بالعنف، وباقي أنماط السلوك التي تشكل عائقاً كبيراً أمام بناء مجتمع مدمج ومستدام، ينعم فيه الأفراد بالحقوق والفرص ذاتها. وضرورة تبني الإستراتيجيات والمبادرات التي تتبناها المؤسسات والمنظمات المعنية، والعمل بالتنسيق مع المجتمع المدني العامل في مجال مكافحة أشكال العنف ضد النساء بغية النهوض بحقوق المرأة ومناهضة العنف، في سياق تمكين النساء وتحقيق العدالة والمساواة. وكما يقال،”إن وراء كل رجل عظيم امرأة” ينبغي تعزيز الشراكة في بناء مجتمع تنموي قوي ومتماسك يقتضي أن يكون “وراء كل امرأة عظيمة رجل واع وناضج”.

 

  • مديرة مركز بحوث ودراسات تنمية المرأة بجامعة تعز.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً