صنيعة والدي
article comment count is: 1

أنا صنيعة والدي!

“ابقين إلى جانب الرجال الداعمين، هم القوة التي ستحتجنها خلال رحلتكن في التغيير لتجاوز الصعاب”.

بهذه العبارة ختمت الدكتورة نادية السقاف أحد التدريبات التي حضرتها رفقة صحفيات من مختلف محافظات اليمن، وكأنها تلخص -بعبارة موجزة- كيف يمكن أن نتشارك مع الرجال بناء هذا المجتمع متجاوزين سنوات الجهل التي خلفت لنا علاقة مشوهة بين الرجل والمرأة، باعتبار المرأة ضحية على الدوام، والرجل كائن وحشي لا يمكن ترويضه. عندها، مرت في ذاكرتي قصص بعض النساء اللائي قابلتهن خلال خمسة أعوام من عملي الصحفي، والتي أود أن أتشاركها مع رجال العالم الشجعان الذين يؤمنون بقدرة المرأة على إحداث تغيير كبير في المجتمع؛ تقديرًا لما يعنيه هذا الدعم السخي لهن وللمجتمع ككل.

واحدة من بين تلك القصص التي لا أستطيع تجاوزها هي لفتاة قروية من وصاب عزلة الأثلاث/ذمار، إذ إنها حين سُلبت حقها في التعليم لأنها أنثى، ارتدت زي الرجال، قصت شعرها الطويل، بدلت اسمها الناعم وأصبحت رجلًا يمكنه أن يذهب للمدرسة وسط مباركة أسرية ومجتمع مرحب! لكن حيلتها لم تستمر كثيرًا فقد كانت غير كافية لمواجهة مجتمع تسوقه العادات السامة، فتقتل طموحات فتياته ويخسر بهذا قوة لا يمكنه أن ينهض بدونها!. تساءلت حينها ماذا لو أن هذه الفتاة نشأت في عائلة محفزة وسط إخوة يحبونها كما يحبون أنفسهم؟. لو كان لها أب داعم يدفعها بكل قوة لمواجهة المجتمع الذي يرى في وعي النساء خطرًا عليه، ثم يحاول أن يتخلص من ذلك الخطر، وهو في الحقيقة لا يتخلص إلا من روح المجتمع المتماسك!. سؤال بقي يدور في رأسي كثيرًا: كم يخسر المجتمع حين تُقتل عزيمة مثل هؤلاء النساء؟ تذكرت حينها قصة الدكتورة إلهام مرعي، إحدى النساء في ذات القرية، والتي تلخص دعم والدها السخي تجاهها بالقول: “أنا صنيعة والدي، هذه الدكتورة التي ترينها أمامك لم تكن لتحمل حتى شهادة الإعدادية لولا الدعم الذي تلقته من والدها”.

فبعد أن أُشيعت قصة الفتاة التي تنكرت بزي رجل من أجل الالتحاق بالمدرسة، عمل بعض الرجال المثقفين على إقناع الأهالي بتعليم بناتهم، وبدأ الأمر على استحياء، ولكن كانوا يتركونهن يتعلمن حتى الإعدادية ولا يكملن، بحُجج من بينها أن المركز الامتحاني للاختبارات الوزارية (التاسع) و(الثالث الثانوي)، في قرية أخرى بعيدة نسبيًا، وهذا، كما يرون، يحتاج لمن يتفرغ ويذهب معهن، فتتوقف النساء عن التعليم حين يصلن إلى الصف الثامن الابتدائي.. لكن والدها عمل على دفعها بكل قوة؛ إذ لم يكتفِ بدعمها ماديًا وتوفير تكاليف الدراسة لها متجاوزًا العادات الطاحنة والصورة النمطية لتعليم النساء في القرية، غير أنه أيضًا كان يرافقها إلى أي مكان يتطلب منها تواجده معها كما دفعها لمواصلة الدراسة في مدينة ذمار بعد حصولها على شهادة الإعدادية، لتصبح اليوم واحدة من القصص الملهمة لكثير من الآباء في عزلتها، التي يتمنى جميع رجالها الآن أن تصبح فتياتهم مثلها.. فاستمرار تعليم الفتيات بدأ يحظى باهتمام كبير في القرية واقتنع آباء بدعم بناتهم ليكملن الثانوية، ثم إشراكهن في دورات تدريبية في ذمار، وخاصة في المجال الصحي، وأصبح الآن في القرية نساء، ولو بنسبة قليلة، ينشطن في العمل الصحي.. وهذا إنجاز ما كانت ستشهده القرية لولا جهود الأبطال من رجالها الذين لم يبخلوا في دعم نساءهم بما استطاعوا.

إنني أجزم أن الرجال حين يختارون الوقوف رفقة النساء ودعمهن يكونون قوة خارقة بإمكانها أن تعيد تشكيل المجتمع بما يضمن نهضة حقيقية، بعيدًا عن كل تلك الحروب التي تشتعل حين يقف أحد الطرفين خصيمًا للآخر.

____________________

 

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)