article comment count is: 0

لمسة إبداع تحول مخلفات الحرب إلى أدوات سلام

تخيل وأنت تتجول ترى باباً مصنوعاً من أغلفة الصواريخ، أو أعمدة من أغلفة وبقايا الطائرات المسيرة، أو مظللات، وأسوار منازل وخيام مصنوعة من الظروف الفارغة والمعابر. شيء مختلف عما تعودنا على مشاهدته من مخلفات الحرب القائمة في اليمن منذ الست سنوات، التي ألقت بظلالها على حياة اليمنيين ومستقبلهم.

خالد علي سعيد (23 عاماً)، متزوج وأب لطفلين، يملك ورشة للخردوات في شارع صنعاء بمحافظة مأرب (شرق صنعاء)، حيث تحوم حوله أكوام كبيرة من الذخائر والظروف الفارغة وأغلفة الصواريخ، وحافظات الرصاص والمعابر وغيرها من مخلفات الحرب، المنتشرة في مناطق الصراع، والتي أصبحت مزاراً للكثير من أبناء المحافظة. عقب نجاح خالد في تحويلها إلى ورشة سلام وبناء، من مخلفات الحرب والصراع إلى أدوات يستنفع بها النازحون، الذين يتحملون النصيب الأكبر من تبعات الحرب.

الحاجة أم الفكرة

يقول خالد علي في تصريح خاص لـ”منصتي 30” إن “الفكرة طرأت على بالي عندما أتت الرياح الشديدة وأخذت مظلة المحل الخشبية، وباتت الورشة بلا مظلة. ولأن ظروفي المادية متدهورة ولا تسمح لي بشراء مظلة جديدة، لاسيما عقب توقف الموانئ والمصانع التي كانت تشتري مني الخردوات من بطاريات تالفة ونحاس وحديد وألومنيوم ومن ثم تصديرها، توسعت بنظري قليلاً، فإذا بي أشاهد مخلفات الحرب من  الظروف الفارغة والمعابر وغيرها، التي كنت أشتريها من الجنود والمواطنين وإعادة تدويرها ومن ثم بيعها كمعدن. طرأت في بالي فكرة توصيل الأغلفة الفارغة من مدفعية (106) وإعادة بنائها على شكل أعمدة للمظلة. وعندما انتهيت، أصبحت شيئاً مختلفاً وفريداً، من رآها تعجب”. وأشار خالد إلى أن “الفكرة كانت عفوية، لكنها نجحت في لفت انتباه الزوار وطلب الزبائن مني عمل نسخة أخرى تشبهها”.

ويضيف خالد “صنعت مجموعة أخرى منها، وعرضتها للبيع وابتاعت كلها، ازداد الطلب وبت أملك الكثير من الزبائن والحمد لله”.

استخدامات مختلفة

استمر “خالد علي” بصنع الخيام والمعاريش والهناجر ومظلات السيارات وأسوار حماية للمنازل وسرائر نوم وطاولات وغيرها من الأدوات التي لاقت استحسان النازحين وأبناء المحافظة نظراً لجودتها وأسعارها الزهيدة، مقارنة بمثيلاتها في الأسواق”.

وأشار خالد إلى أن “الصناديق الحديدية تستخدم لمعدات المهندسين، وخزانات لحفظ الأشياء الثمينة، نظراً إلى تميزها بالقوة والمتانة التي تمنع دخول الرطوبة أو الماء إليها. أما بالنسبة إلى  الصناديق الخشبية تستخدم في تربية النحل وصناعة سرائر النوم والطاولات. وهناك استخدامات أخرى على حسب طلب الزبون”.

وأضاف أن زبائنه كثر، و “الإقبال من قبل النازحين وأصحاب المحلات والورش يزداد عدداً”. حسب قوله.

تكلفة أقل وجودة أعلى

وأوضح “عملي بالتأكيد له إقبال بسبب سعره المناسب والجودة العالية، حيث تمتاز الأدوات بالقوة والصلابة وتحمل الرطوبة والصدأ وبقائها لمدة أطول. لافتاً إلى أنه يعمل في “مساعدة النازحين نظراً لظروفهم المعيشية الصعبة”.

وقال إن “الشلمان الحديد التي تتجاوز قيمتها في السوق 15 إلى 20 ألف ريال يمني، تكون قوتها رديئة ولا تصمد كثيراً أمام العواصف والرياح وتتعرض للصدأ بسرعة، بينما الماسورة التي أصنعها من مخلفات الحرب تكون بطول 3 إلى 4 أمتار، وسعرها 4 ألف أو 6 ألف فقط، وتصمد وتقاوم الرياح والعواصف التي تطل على المدينة بشكل مستمر خاصة في فصل الشتاء”.

وتابع” المواسير لها طلب كبير وتختلف نوعيتها بحسب نوعية الظروف الفارغة وأغلفة القذائف التي تصنع منها، فمثلاً مخلفات البندقية 106 تتميز بخفتها وشكلها بالإضافة إلى قوتها ومتانتها. وهذا السبب في ارتفاع سعرها مقارنة بالمواسير المصنعة من أغلفة قذائف المدفعية التي يكون سعرها أقل بسبب حجمها ووزنها الكبير”.

انفراد ومخاطر

وأكد خالد أنه الفني الوحيد في اليمن، الذي طوّع مخلفات الحرب وحوّلها إلى أدوات سلام تعود بالنفع على جميع المواطنين، نظراً للخوف الذي يسيطر على بقية المهندسين في حال كانت بعض المخلفات مازالت فعالة. ويضيف بالقول “لم أسلم بشكل كبير من المشاكل والصعوبات في هذا المجال، لاسيما أني لا أملك الخبرة الكافية. أتذكر أني حاولت إخراج صاعق أحد الظروف الذي لم ينفجر وقمت بضربه على مؤخرته، الأمر الذي أدى إلى انفجاره في وجهي أنا وعامل كان يقف بجانبي، ولكننا سلمنا ولم يكن هناك أي إصابات”، مطالباً ممثلي منظمة مسام المتخصصة في نزع الألغام ومخلفات الحروب والجهات ذات الاختصاص بعمل دورات تدريبية حول كيفية التعامل مع مخلفات الحرب والحماية منها. محذراً أي شخص من القيام بالعبث أو تلحيم أو قص أي شيء من مخلفات الحرب، مالم يتم فحصها من قبل خبراء الجهات المختصة.

وختم حديثه قائلاً “أنا لا أطمح للتوسع، بل أتمنى من الله أن تنتهي الحرب ويعم السلام والأمن والاستقرار في كل أرجاء الوطن ويعود النازحون إلى مناطقهم ومنازلهم“.

وأضاف “ستظل مخلفات الحرب شاهداً على حجم الدمار الذي حلّ بهذه البلاد منذ ما يقارب الست سنوات، والتي باتت تشكل خطراً حقيقياً على سلامة المواطنين وحياتهم، حاولت استغلالها بشكل صحيح لتغيير مسارها في تدمير كل ما هو جميل في البلاد، ولكن الاستغلال الأمثل هو إيقاف شامل لإطلاق النار وإحلال السلام”.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً